تجتاز منطقة اليورو صيفاً ساخناً بفعل اتساع أزمة الديون السيادية وأخطار انتقالها إلى ايطاليا وإسبانيا، بعد أسبوع فقط على الحزمة المالية الثانية التي أقرتها قمة دول العملة الموحدة لمصلحة اليونان. ورأى رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، أن «تطورات الديون السيادية لكل من ايطاليا واسبانيا وبعض الدول الأعضاء في منطقة اليورو تثير قلقاً شديداً». وقطع استراحته الصيفية وكتب مذكرة إلى قادة الاتحاد اعتبر فيها أن «هذا القلق هو انعكاس لازدياد شكوك المستثمرين في قدرة دول منطقة اليورو على مواجهة تطورات الأزمة». وشدد على ضرورة «إقناع أسواق المال بأن حكومات الدول الأعضاء تتخذ الإجراءات المناسبة». وكانت القمة الأوروبية قررت في 21 تموز (يوليو) الماضي منح اليونان حزمة ثانية من القروض بقيمة 110 بلايين يورو بمشاركة طوعية من القطاع الخاص، يمكن أن تصل إلى 60 بليوناً في ثلاث سنوات. وتحرك باروسو بعدما اتسعت ضغوط أسواق المال من اليونان إلى اسبانيا وايطاليا. واقترح «إجراء تقويم سريع لقدرات صندوق الاستقرار المالي الأوروبي والآلية التي ستحل محلها من أجل ضمان إمكانات مواجهة الأزمة وتداعيات عدواها». وكرر المسؤولون التصريحات في اتجاه المستثمرين حول عزم الاتحاد على ضمان استقرار منطقة اليورو. وواجهت اسبانيا ارتفاع أسعار الفائدة على سنداتها لعشر سنوات إلى 6.2 في المئة. وأجرى رئيس الوزراء خوسيه لويس ثاباتيرو مشاروات مع رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي، للإسراع في وضع آليات دعم اليونان بما يمكن أن يساعد على طمأنة أسواق المال. كما تجاوزت أسعار الفائدة على سندات ايطاليا تلك المطبقة على سندات ألمانيا بنسبة 3.3 في المئة. وأعلن رئيس الوزراء الايطالي ، إجراءات إضافية لخفض الإنفاق وأرسل وزير المال جيليو تريمونتي لإجراء محادثات مع رئيس مجلس وزراء المال في منطقة اليورو جان كلود يونكير. وأوفد مدير الخزانة فيتوريو غريللي إلى كل من سنغافورة والصين وهونغ كونغ، لطمأنة الصناديق السيادية حول فرص الاستثمار وشراء سندات الدولة الايطالية. هامش التحرك وأكد خبراء أن وضع الآليات وتنفيذ الإجراءات المتصلة بخطة دعم اليونان، يمكن أن تدوم شهوراً قليلة تتجه خلالها الأوضاع إلى مزيد من التوتر. ورأوا أن هامش التحرك يظل محدوداً بالنسبة إلى الحكومات الأوروبية والأميركية أيضاً، إذ تتزامن أزمة ارتفاع الديون السيادية والتزامها برامج تقشف تحد من الإنفاق العام، مع بطء النمو سواء في منطقة اليورو أو في السوق الأميركية. واتجهت الأنظار أمس إلى البنك المركزي الأوروبي الذي عقد اجتماعاً لمجلس حكامه، على أمل أن يساعد في تسوية أزمة الديون بمنطقة اليورو، بعدما بدأت تطاول ايطاليا واسبانيا. ويتعرض البنك لضغوط الحكومات كي يساهم ضمن المصارف الخاصة في شراء سندات حكومات الدول التي تعاني صعوبات في أسواق المال. وقال المحلل لدى شركة «تريسيس» أنخيل دي مولينا رودريغيث، أن على البنك المركزي الأوروبي، اتخاذ «تدابير أكثر جدية لردع المضاربين من خلال شراء سندات أو أسهم في شكل منسق مع مصارف مركزية أخرى». واعتبر المحلل في شركة السمسرة الاسبانية «رنتا 4» نوريا ألفاريث، أن على البنك المركزي الأوروبي أن «يكون باشر شراء ديون» الدول التي تواجه صعوبات، غير انه «لا يشتري شيئاً منذ آذار (مارس) الماضي»، ورأى أنه «أمر لا يمكن فهمه». وكان البنك المركزي الأوروبي وافق عل مضض على القيام بهذه المهمة في ربيع عام 2010 ، سعياً منه إلى احتواء أزمة الدين اليوناني وتجنيب منطقة اليورو انهياراً. لكنه توقف منذ 18 اسبوعاً عن الاضطلاع بهذه المهمة، معتبراً أنه بذل «ما يكفي، ويعود الآن إلى المسؤولين السياسيين الأوروبيين البحث عن حل نهائي للاضطرابات التي تهز المنطقة». وقررت قمة منطقة اليورو الشهر الماضي إحلال الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي محل البنك المركزي الأوروبي للقيام بهذه المهمات. لكن يُستبعد أن يتمكن الصندوق الأوروبي الذي أُنشئ لإقراض دول منطقة اليورو التي تواجه صعوبات، من التدخل قبل ايلول (سبتمبر) على أقرب تقدير. كما لا يرى بعض الجهات العاملة في الأسواق حجمه كافياً لمعالجة مشاكل ايطاليا وأوروبا، إذ إن قدرته على الإقراض حددت ب 440 بليون يورو. وقال كريستيان شولتز من مصرف «بيرنبرغ بنك»، أن البنك المركزي الأوروبي «يبقى الحصن الوحيد الموثوق في وجه حركات الهلع». ورأى زملاؤه في «ار بي اس»، أن «المركزي الأوروبي»، سيضطر الى «استئناف عمليات الشراء قبل نهاية هذه السنة». إلا أن جيل مويك من مصرف «دويتشه بنك» حذر من أنها «ستطالب بثمن باهظ لقاء تدخلها، بعد تجربة الربيع الماضي وما خلفته من تبعات». واعتبر حكام الهيئة المالية التي تتخذ من فرانكفورت مقراً، أن موافقتهم على التدخل من دون شرط «أخّرت الإصلاحات الضرورية في بعض الدول الواقعة عند أطراف منطقة اليورو»، ما يمكن أن يدفع البنك المركزي بحسب المحلل الى المطالبة ب «ضمانة من الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي عن كل السندات التي يعيد شراءها». وينهي رئيس البنك جان كلود تريشيه ولايته في غضون أسابيع وسيحل مكانه الايطالي ماريو دراغي في الاول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.