كرّست مجموعة من الفنانين التشكيليين تجارب ورؤى متنوعة حول التلفزيون الحكومي المصري، فعبّروا عما تعنيه لهم هذه المؤسسة التي أثرت طويلاً في الرأي العام المصري، بل ربما «ألهمت» استراتيجياتها قنوات حكومية عربية أخرى تلتها في التأسيس، وذلك في أشكال فنية متعددة، ضمن معرض يحمل اسم «ماسبيرو» في «مركز درب 1718» يستمر حتى نهاية الشهر الجاري. وحرص علي عبدالمحسن، منسق المعرض، على جمع فنانين يحملون أفكاراً مختلفة يجمع بينها قاسم مشترك هو تاريخ التلفزيون الرسمي، من برامج صادمة وأخرى ممتعة وسياسات عفا عليها الزمن، ليقدموها في قوالب فنية بصرية متنوعة، ما بين تصوير ورسم وفيديو وغرافيك وجداريات قدمت غالبتها بأسلوب ساخر. وأشار معتز نصر الدين إلى أن بعض الأعمال المشاركة تم تنفيذها قبل سنوات عدة، «لكنها لا تزال معبّرة عن أحوال التلفزيون المصري الذي ما انفك يتمسك بالمنهج ذاته حتى الآن، لا سيما محاولته تزويد الوعي الجماعي بكمٍّ هائل من التفاهات، وبطريقة لا مثيل لها، إضافة إلى حرف الحقائق على رغم انتشار الفضائيات». ويشارك معتز بعمل يحمل عنوان «صنع الإنسان»، وهو عبارة عن صورة ذات قسمين: الأول لشخص يرتدي لجاماً يحجب عنه الرؤية والسمع والكلام، والثاني لرأس حصان يرتدي القناع نفسه، في تعبير عن التعتيم وحالة التغييب التي يفرضها التلفزيون منذ الأزل، وخصوصاً خلال أيام «ثورة 25 يناير». وشهد المعرض جدارية للفنان أدهم بكري توضح الرسم الهندسي لمبنى «ماسبيرو» من منظورين، الأول أفقي والثاني بمنظور عين الصقر، فيبين كل التفاصيل الداخلية ذات الخطوط الحادة والتي تشبه المتاهة، ليعبّر عن الاهتمام بالكمّ بدلاً من الكيف داخل هذا المبنى. وتحت عنوان «رؤى من الذكريات الملوثة»، عرض الفنان خالد حافظ رؤيته من خلال فيديوات تظهر على ثلاث شاشات عرض، تضم صوراً للقاهرة وبعض الشخصيات المهمة الفنية والسياسية والاجتماعية، ليحاول من خلالها إظهار التشويه الذي تسبب فيه البث التلفزيوني. أخيراً، روى الفنان هاني راشد حكاياته مع مبنى الإذاعة والتلفزيون، الذي عمل فيه منذ عام 1994 وحتى 2010، فكشف أحداثاً من الكواليس ومواقف طريفة مزج خلالها بين النص والصورة. إذ قدم رسوماً قام بإنتاجها قبل خمسة أعوام، إلى جانب صور تذكارية له مع بعض الفنانين، وأوراق إدارية وحكايات مكتوبة، في محاولة منه لعمل إسقاط على المنظومة الإعلامية السابقة بأسلوب ساخر. ومن أخبار الكواليس التي كتب عنها هاني وقعت في أثناء عمله كمساعد مهندس صوت في برنامج كان معروفاً قبل سنوات باسم «إكسب مع الأولى»، وهو برنامج مسابقات يطرح كل يوم سؤالاً على المشاهدين، والفائز يربح ألف جنيه. وبعد انتهاء البرنامج، كان يجلس ذات مرة أمام صحن زجاجي في داخله أسماء المتسابقين، فأخرج ورقة منه ليرسم على جهته الخلفية...، ثم سحب ورقة أخرى ليستكمل رسمه فوجدها تحمل اسم المتسابق نفسه المكتوب في الورقة الأولى! وبعد إخراج كل الأوراق، تبيّن أنها جميعاً تحمل الاسم ذاته، لتكشف تلك الصدفة أحد أشكال التزييف التلفزيوني.