«الكراسي» المسرحية الشهيرة التي كتبها رائد المسرح العبثي في العالم أوجين يونيسكو اكتسبت بعداً عربياً على يد المخرج العراقي علي شبو الذي أعدها رؤية وإخراجاً مستعيناً بأسطورة «جلجامش» ليصوغ نصاً درامياً وبصرياً، يجمع بين الميثولوجيا والواقع، بين المغامرة الوجودية والعبث. واستغل الضعف لسد الفراغات بأوجاع المنفى. وعرضت المسرحية في المركز الثقافي الملكي في عمان ضمن احتفالات المملكة الإردنية الهاشمية ب «القدس عاصمة للثقافة العربية». تتحدث المسرحية عن سعي الإنسان المتواصل الى المحسوس واللامحسوس وتظهر هذه الكوميديا السوداء طموحات زوجين عجوزين الى التأثير في الآخرين بصورة تظهر الملحمية والواقعية في العمل الذي تميز باقتناص فريد للحدث اليومي والتاريخي. « الكراسي» استنهاض لمسرح عربي بالغ الشفافية في الحرص على اعادة تأليب التاريخ بصورة حداثية، وبجهد ينتهي بعلامات تتميز بالغموض الذي يدركه المتلقي بانسيابية لم يعهدها في ظل مسرحة الواقعي بقوالب جاهزة كانت تشكل صدمة «الوضوح» التي سرعان ما تتلاشى من دون ترك اثر يستفز ذلك المتلقي بأضعف الإيمان بأن يستوعب الفكرة من هذا العمل. يقول المخرج علي شبو: «لعل الحلم هو احد الشروط الأساسية لتحقيق الذات الإنسانية، وبحسب ما تكون ماهية هذا الحلم يتحدد فضاء العبث واللاجدوى. وفي هذا الفضاء تنزلق الروح الى المنفى ومن هذا الفضاء ينطلق السعي الى تحقيق الذات عبر عمل قد يترك أثراً لأجيال اخرى او تحقيق الذات عبر السعي لإبعاد شبح الموت والتشبث بالحياة الخالدة». ويضيف: «وجدت ان احلام الناس، لا تختلف كثيراً في عمقها الفلسفي، وبالتالي فهم يلتقون بالعبث كما يلتقون في اللاجدوى وفي منفى الذات. فليست هناك مساحات مشترطة للحلم. وحاولتُ في رؤيتي ل «الكراسي» ان اشير الى تدجين العبث، سواء على الصعيد التاريخي او على الصعيد اليومي. كما حاولت ان استنهض في المنفى الإحساس بالوحدة الذي يزداد عمقاً وتوتراً بخاصة حين يكون بين الآخرين، وأن اربط بين ما هو ملحمي وما هو شديد الواقعية الى حد ملامسة الكاريكاتور، واتفحص بنفسي مساحة الحلم الإنساني وعبثيته. وقد وجدت النص كوميديا تنتزع الدمع الحزين، وتراجيديا تنحني الى الضحك والهزل ولكن من دون استئذان». مسرحية «الكراسي» يقوم بتجسيدها نادرة عمران وشفيقة الطل ومحمد الإبراهيمي ووسام البريحي وبلال الرنتيسي ومحمد نجم. نادرة عمران تجسد دور المرأة التي وصلت الى آخر طريق في الحياة من خلال محاولات لإعادة ترميم كل ما يمكن ان يوصلها مع الزمن وأحداث الحياة. شفيقة الطل تقوم بدور سيدوري وهي شخصية مكثفة لفتاة الحانة في «جلجامش» التي تقال على لسانها معظم مقولات العمل الذي يريد ايصاله شبو من خلال المسرحية. بلال الرنتيسي يجسد دور «انكيدو» الذي يميل الى الحياة ويعشقها. اما محمد الإبراهيمي فيقوم بدور الزوج الذي يبحث مع زوجته عن اي طريق يؤدي الى التوصل الى شيء مشترك يقربهما بعضهما من بعض، ويزيد من التواصل في الحلقات الأخيرة من حياتهما. محمد البريحي يجسد دور الخطيب الذي تقنعه زوجته، وهو العامل في حراسة المباني ان يكون امبراطوراً بالإرادة، فيصدق الفكرة ويعيش حالة الوهم في ايصال رسالة لإنقاذ البشرية، وهو الذي يعاني مشكلة في النطق والتعبير وفي نهاية المسرحية يكتشف الجميع ان الخطيب «اخرس».