تكاثرت أخيراً مشاكل قلّة التعقيم في المستشفيات الخاصة والعامة في سورية. وتواصل سيل من الأخبار عن هذه الظاهرة الخطيرة. وبات مألوفاً أن تتحدث وسائل الإعلام عن «شبح بكتيريا العُصيّات الزرق» و»جيوش فيروس التهاب الكبد من النوع سي» و»هجمات البكتيريا المقاومة للأدوية»، وهي أمور تنجم عن قلّة التعقيم. وأخيراً، عمدت وزارة الصحة السورية إلى إغلاق عدد من المستشفيات، وضمنها عشرة في مدينة حلب، لأسباب تتصل بعدم كفاية التعقيم. ووجهت وزارة الصحة إنذاراً بالإغلاق لعدد من المستشفيات الخاصة في دمشق، وضمنها مجموعة من أبرز المؤسسات الاستشفائية للقطاع الخاص، موضحة أن المستشفى الذي ينال إنذارين، يؤول إلى الإغلاق الحتمي. أشباح العدوى المقيتة لم تنس ردينة قصة والدها الذي أُدخِل إلى أحد المستشفيات الخاصة للعلاج من جلطة دماغية، لكنه قضى بعد أن أصابته جرثومة من نوع «بكتيريا العُصيّات الزرق» فتسببت بالتهابات خطيرة في الرئة. وكذلك لم ينس الرأي العام السوري قصة الطفل الوليد الذي كان في إحدى أجهزة حضانة الأطفال في مستشفى خاص، لكن جرثومة «العُصيّات الزرق» كانت له في المرصاد. وتوفي قبل أن يرى نور الشمس. وبحسب إحصاءات طبية، وصلت نسبة الوفيات الناجمة عن هذه الجرائيم إلى قرابة ال 7 في المئة من إجمالي عدد العمليات الجراحية التي أُجرِيَت في «مستشفى المواساة الحكومي» في دمشق في العام 2007. في السياق عينه، أكدت مصادر طبية أن الحالات الطبية والصحية الناجمة عن سوء التعقيم، التي وُثّقت في المستشفيات السورية، تمثّل نسبة مرتفعة بالمقارنة مع دول الجوار. والمعلوم أن هذه الحالات تُرصد في معظم الدول، مع تفاوت في نسبتها بين دولة وأخرى. وأشارت إحدى الطبيبات في «مستشفى الهلال الأحمر الطبي» أن جرثومة «العُصيّات الزرق» تستعصي على المُعقّمات، وهي من الجراثيم الخطيرة التي قد تسبب الوفاة. ونبّهت الطبيبة إلى أن علاج هذه الجرثومة العنيدة يتطلّب استخدام أنواع متطوّرة من أدوية مُضادات الحيوية، علماً بأن الجرثومة تنقل عبر الجروح وأدوات التمريض. وصرّح رئيس قسم المختبرات في وزارة الصحة السورية بأن القسم يجري مسوحات جرثومية كل شهرين تقريباً، كما يرسل النتائج إلى مديرية المستشفيات في وزارة الصحة. وأكّد أنه لا يستطيع ذكر هذه النتائج. وقال: «كل ما يمكنني قوله هو أن المستشفيات التي تطبّق الحدّ الأدنى من التعقيم في سورية لا تتجاوز الأربعة مستشفيات». ووفق دراسة أجرتها شركة ألمانية عام 2004 وشملت 6 مستشفيات حكومية، عُثِر على 820 مستعمرة جرثومية على يد موظفين في غرفة العمليات في احد المستشفيات. ورُصِد وجود 4484 مستعمرة جرثومية على يد طبيب في أحد الأقسام المهمة فيه. واحتوى جهاز التهوية في أحد أقسامه 1800 مستعمرة جرثومية. وتجمّع 4000 مستعمرة جرثومية على إحدى الطاولات المخصصة لوضع أدوات الجراحة. المعلوم أن شركات التعقيم في سورية أُسّست بداية من العام 1998، وتتعاقد مع المستشفيات من خلال مناقصات. وتتركّز شكاوى هذه الشركات على تفضيل شركة تعقيم على أخرى لأن أسعار معقماتها أقل، بغض النظر عن جودة مواد التعقيم التي تستعملها. ورأى بعض الشركات أن المناقصات تصاغ بطريقة توحي بأنها وُضِعت على قياس شركة محددة. ورأى صاحب إحدى شركات التعقيم أن شركتين تعملان في مجال التعقيم بشكل احترافي متقن في سورية، أما بقية الشركات (عددها 9)، فتستعمل مواد تعقيم غير مأمونة للاستخدام البشري. في انتظار ما لم يأتِ منذ توليه منصبه، ركز وزير الصحة الدكتور وائل حلقي على أهمية جودة الخدمات الصحية في المستشفيات، مشيراً إلى إعداد نظام للتصنيف والتقويم، يعتمد المقاييس العالمية. وفيما وعد الوزير بإنجار هذا النظام في أيلول (سبتمبر) من هذا العام، أجّلت وزارة الصحة هذا الأمر إلى أيلول من العام المقبل. وأعلنت الوزارة أن السبب وراء التأجيل هو إعطاء سنة إضافية كفرصة لإعادة النظر في النظم المتّبعة، ومراقبة الجودة في المستشفيات. ورأت مصادر طبية أنه لو طُبّق القرار حاضراً، لصُنّفت غالبية مستشفيات سورية في الدرجة الثالثة والرابعة، وهما المستويان الأخيران في التصنيف العالمي. وأشارت مصادر وزارة الصحة إلى أن قراري التصنيف وإعادة تسعير المستشفيات (يفترض أن تأتي التسعيرة أقل من المعمول به حاضراً)، أمران مهمان، إذ يساهمان في رفع مستوى الرعاية الصحية بشكل كبير، كمرحلة أولى للوصول إلى حال طبيّة عالية الجودة. والحق أن الجودة في المستشفيات تتطلب إتّباع نُظُم تعقيم كفيّة كشرط أساسي للوصول إلى المقاييس العالمية، وفي حال عدم وجود مستوى مقبول من التعقيم، يجدر ختم المستشفى بالشمع الأحمر. وتزايد حديث وسائل الإعلام السورية عن تصنيف المستشفيات أخيراً، بعد أن كثرت شكاوى شركات التأمين الصحي، وعلى غرارها شركات إدارة النفقات الطبية، من سوء أداء معظم المستشفيات الخاصة، وافتقار بعضها لأبسط المتطلبات الطبية، خصوصاً تلك التي تعمل في المناطق النائية.