تصطدم الدعوة الى إحياء هيئة الحوار الوطني برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بوجهة نظر مضادة يعبّر عنها عدد من النواب المنتخبين حديثاً الذين يرون أن لا مبرر لاعادة الاعتبار لها بذريعة أنها صيغة من الماضي ولا تصلح لأن تكون للمستقبل وأن الأغراض السياسية التي أنشئت من أجلها تحققت ولم يبق منها سوى التوافق على الاستراتيجية الدفاعية للبنان يلحظ فيها دور لسلاح المقاومة الى جانب الجيش اللبناني. ويضيف النواب من أصحاب هذا الرأي أن لا بد من اعطاء دور فاعل للمجلس النيابي المنتخب والحكومة الوفاقية المنبثقة منه وهذا ما يتعارض مع إحياء هيئة الحوار الوطني التي يمكن أن تجمع في آن معاً وتحت سقف واحد مجلس وزراء سياسياً مصغراً و «سوبر» مجلس نيابي موازيين للبرلمان والحكومة. دور المجلس النيابي والحكومة ويتابع هؤلاء النواب أن احياء هيئة الحوار يعتبر استثناء في ظل الظروف السياسية الجديدة المترتبة على انتخاب برلمان جديد، وبالتالي لا يمكن التعاطي مع هذه الهيئة وكأنها قاعدة تصلح لكل الأوقات وإلا نكون قررنا عن سابق تصور وتصميم التقليل من دور المجلس النيابي والحكومة. ويرى النواب أيضاً أن المهمة الوحيدة الملقاة على عاتق هيئة الحوار تكمن في التفاهم على الاستراتيجية الدفاعية ومن ضمنها سلاح المقاومة، لكن طالما أن جميع الأطراف يجمعون على أن السلاح متروك للحوار، أي تعليق الحسم فيه الى وقت آخر وعدم الزج به كمادة في السجال السياسي، فمن الأفضل أن يصرف النظر عن دور هيئة الحوار باعتبار أن لا جدول أعمال لها. ويؤكد هؤلاء أيضاً أن تعليق العمل بهيئة الحوار سيعفي الأطراف الأساسيين من الدخول في مشكلة سياسية على خلفية التباين في شأن اعادة تشكيلها الذي سيمنح هذه المرة لقوى 14 آذار ترجيحاً على الأقلية بخصوص حجم المشاركة. ويعزو النواب السبب الى أن نتائج الانتخابات أفرزت تفوقاً للأكثرية في حصد المقاعد الخاصة بالأرثوذكس والأرمن والدروز مع مساواة في اقتسام المقاعد المخصصة للكاثوليك، وهذا ما يدفع ببعض الأطراف في الأقلية الى المطالبة بتمثيل رموز سياسية كانت موجودة الى طاولة الحوار وغابت عنها لخسارتها في الانتخابات. لكنّ لمعظم النواب في قوى 14 آذار رأياً معارضاً لرأي زملائهم الداعين الى إلغاء طاولة الحوار أو تعليق دورها، علماً أن كل المعترضين ينتمون الى الأقلية باستثناء «حزب الله» وحركة «أمل». وينطلق النواب الداعون الى التمسك ببقاء هيئة الحوار من اعتبارات أبرزها أن اعادة تشكيل طاولة الحوار تمنح رئيس الجمهورية موقعاً متقدماً في المعادلة السياسية يتيح له التدخل في الوقت المناسب من أجل استيعاب أي تأزم طارئ لمصلحة الحفاظ على الانسجام داخل الحكومة الجديدة وتجنيبها خضات سياسية هي في غنى عنها، اضافة الى انعكاس هذا التأزم على البرلمان ككل. ويضيف هؤلاء النواب أن هناك ضرورة لإحياء هيئة الحوار التي من شأنها أن تمارس دور صمام الأمان لضبط التوتر السياسي وتطويقه لمنعه من التمدد باتجاه الحكومة والبرلمان. وبكلام آخر يعتقد النواب أن لبنان يقف الآن على عتبة الانتقال الى مرحلة سياسية جديدة أفرزتها الانتخابات النيابية، وهذا يستدعي التعامل مع هيئة الحوار على أنها بمثابة شبكة أمان سياسية تحد من التطرف في الموقف وتسهم في «تنعيمه» للحؤول دون الاحتكاك المباشر سواء على صعيد البرلمان أو الحكومة. الغاء مفاعيل الحصول على الاكثرية وفي هذا السياق، يحذر النواب، ومعظمهم من المنتمين الى الأكثرية من محاولة بعض القوى في الأقلية الغاء مفاعيل حصولها على الغالبية في البرلمان على رغم أنها ليست أكثرية وهمية جيء بها الى ساحة النجمة بفعل التحالف الرباعي الذي أوصلها كقوة مقررة في الانتخابات السابقة عام 2005. ويسأل النواب كيف أن بعض القوى في المعارضة تطالب بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية وتعارض في الوقت نفسه إحياء هيئة الحوار ولا تجيز له أن يكون الصوت الوازن في مجلس الوزراء؟ كما يسأل هؤلاء عن الأسباب التي كانت وراء إسراع بعض الأطراف في الأقلية الى حرق المراحل واستباق الاستشارات التي سيجريها رئيس الجمهورية لتسمية رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، وعن الجدوى من لجوء البعض الى الاعتراض على تسمية رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري رئيساً للحكومة الجديدة مع أنه زعيم للأكثرية في البرلمان، أو اصرار البعض الآخر على الثلث «الضامن» في مجلس الوزراء من دون أن يعطي لنفسه الفرصة المطلوبة للوصول الى تفاهمات سياسية داخل الحكومة يمكن أن تكون أهم من معركة الأرقام لدى الانصراف الى توزيع الحقائب بين الأكثرية والأقلية في حال قررت القوى الرئيسة فيها المشاركة وتحديداً حركة «أمل» و «حزب الله» خلافاً لما يوحيه بعض الرموز في الأقلية من أنها تتجه الى عدم المشاركة من دون أن تنتظر موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري ولا موقف حليفه «حزب الله» في ضوء اعلان أمينه العام السيد حسن نصرالله أن لا قرار مسبقاً للحزب من الحكومة الجديدة وأنه ينتظر ما سيعرض عليه ليقرر لاحقاً المشاركة فيها أو عدم المشاركة. ويسأل النواب المنتمون الى الأكثرية عما إذا كانت مطالبة رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون بالتمثيل النسبي تصب في خانة تحسين الشروط للدخول في الحكومة أم أنه ليس في وارد الاشتراك؟ ويكشف النواب أن زملاء لهم في الأقلية أخذوا يلوّحون بعدم المشاركة في الحكومة ما لم يحصلوا على الثلث «الضامن» فيها وأن بعضهم راح يسرب معلومات مفادها أن «حزب الله» يتجه أيضاً الى تبني وجهة نظر حليفه عون وذلك خلافاً لموقف عدد من النواب المنتمين الى كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة بري الذين أكدوا ل «الحياة» أن هذه المعلومات وصلتهم أخيراً وأنهم بادروا الى الاتصال بزملائهم من كتلة «الوفاء للمقاومة» الذين أبلغوهم التزامهم بحرفية ما قاله أخيراً السيد حسن نصرالله في هذا الشأن، خصوصاً أنه لا يحتاج الى الاجتهاد لتفسير موقفه. كما أن بري كان واضحاً بحسب قول أحد النواب المنتمين الى حركة «أمل» في دعوته، بعد مقابلته رئيس الجمهورية الى قيام حكومة وحدة وطنية لا تميز بين 14 آذار و 8 آذار ما اعتبره علامة الى أنه يصر على ترك الأبواب مفتوحة أمام الوصول الى تسوية. والى أن تتبين العناوين السياسية الرئيسة في شأن ما يتردد عن وجود تفاهم بين المملكة العربية السعودية وسورية يتناول طبيعة المرحلة السياسية بعد الانتخابات النيابية، يمكن الوقوف على حقيقة من خلال القرار النهائي للنائب الحريري من ترشيحه لرئاسة الحكومة الجديدة، فإن بعض الاطراف في الأقلية وعلى رأسهم العماد عون يسعى الى تنفيس حجم الانتصار الذي حققته «14 آذار» في الانتخابات خلافاً لتوقعاته بأن الفوز فيها سيكون للمعارضة. وفي هذا السياق نقل عن حليف لسورية قوله أمام عدد من أصدقائه ان دمشق فوجئت بأمرين فور اعلان نتائج الانتخابات النيابية، الأول يتعلق بأن قوى رئيسة في المعارضة أخطأت في تقديرها للنتائج بعدما كانت أبلغت القيادة السورية أنها قادرة على الفوز بأكثرية النواب وأن حصتها ستتراوح بين 69 و 71 نائباً. أما الأمر الثاني كما يقول الحليف فمرده الى أن العماد عون سجل تراجعاً بين الناخبين المسيحيين خلافاً لما كان يعد به، لا سيما أن نسبة تراجعه قاربت ال 25 في المئة قياساً الى ما حققه في الانتخابات السابقة. ويؤكد الحليف نفسه أن دمشق قررت عدم التدخل في سير العملية الانتخابية استجابة لرغبة بعض حلفائها الذين جزموا أمام كبار المسؤولين السوريين بأنهم سيفوزون بغالبية المقاعد في البرلمان وانسجاماً مع الوعود التي قطعتها لعدد من الدول الأوروبية وللولايات المتحدة الأميركية عبر الرسائل التي نقلها عدد من الموفدين الأميركيين الى دمشق عن لسان القيادة السورية الى ادارتهم في واشنطن. صدمة دمشق ويضيف أن دمشق صدمت بالنتائج المخالفة لما كانت تعهدت به بعض القيادات الحليفة لها التي كانت تمنت عليها عدم التدخل والوقوف على الحياد واقتصار ما طلبته منها على اقناع مرشحين بعدم خوض الانتخابات وهذا ما قامت به. ويضيف الحليف أن أحد قادة المعارضة كان أبلغ القيادة في دمشق بأن لائحة رئيس الكتلة الشعبية في زحلة، الوزير الياس سكاف ستفوز بكامل أعضائها وأنها ضامنة لخرق لائحة 14 آذار في البقاع الغربي بمقعدين لمصلحة النائب ناصر نصرالله والنائب السابق ايلي الفرزلي وأن احتمال خرق النائب السابق للائحة عبدالرحيم مراد قائم في حال تكثفت الجهود في الأيام العشرة الأخيرة من موعد اجراء الانتخابات. ويوضح أيضاً أن دمشق تبلغت أن مرشح المعارضة عن المقعد الماروني في بيروت الأولى (الاشرفية) مسعود الأشقر سيفوز اضافة الى ضمان فوز النائبين السابقين سليم سعادة وفايز غصن بالمقعدين الأرثوذكسيين في الكورة مع فوز المرشح الثالث اذا ما أحسنت المعارضة ادارة معركتها الانتخابية، كما تبلغت دمشق ترجيح فوز لائحة المعارضة في المتن الشمالي كاملة مع احتمال ضئيل لخرقها من جانب ميشال المر. إلا أن تقديرات بعض حلفاء سورية بقيت عند حدود الرغبة ولم تتجاوزها الى صناديق الاقتراع، وهذا ما طرح، وكما يقول الحليف لسورية، أسئلة حول دقة استطلاعات الرأي التي كانت ترجح فوز مرشحي المعارضة، واعتبر أن دمشق ربحت في وقوفها على الحياد، لكنها ليست مرتاحة الى النتائج وهي تدخل حالياً في حوار مع واشنطن بعدما نجحت في تطبيع علاقاتها بالدول الأوروبية لأنها ترى أن من الأفضل لها التواصل مع الإدارة الأميركية من موقع حصول حلفائها على الأكثرية بدلاً من إخفاقهم بذلك.