خلال انتخابات الرئاسة الأميركية تعرض باراك أوباما لحملة مركزة خلاصتها أنه مبتدئ في السياسة الخارجية أو جاهل بها. وفي حين أن الهجوم من منافسته في حينه هيلاري كلينتون كان متوقعاً وأسبابه مفهومة، فإن غالبية الذين انتقدوا قلة درايته الخارجية كانوا من أنصار اسرائيل، خصوصاً اللوبي اليهودي. وعندما زار أوباما أوروبا للمرة الأولى رئيساً وحضر قمة العشرين كان الهمس التالي أنه رفض أن يقود المجموعة العالمية أو الكتلة الغربية، وأن السبب هو أيضاً قلة خبرته. وخاطب الرئيس أوباما المسلمين من القاهرة، وكان خطابه تاريخياً بمحتواه، ويكفي أن المستمعين في جامعة القاهرة هتفوا له وقالوا إنهم يحبونه، في حين أن آخر زيارة خارجية لجورج بوش انتهت وهو يُرمى بحذاء صحافي عراقي. وجاءت الانتخابات الإيرانية، وثار جدل بين الفائز والخاسرين، ونظمت تظاهرات احتجاج وتأييد، وانتصر العالم الخارجي كله للمرشح الاصلاحي حسين موسوي، فالليبراليون اعتبروه واحداً منهم، والمحافظون وعصابة الشر اياها أيدوه لأنهم ضد محمود أحمدي نجاد وتصريحاته العنترية. الرئيس أوباما اكتفى بالقول إنه شعر بقلق عميق ازاء العنف الذي رافق التظاهرات، ودعا الى احترام حق الناس في ابداء رأي مخالف بسلام. والواقع أن حذره يجعله يبدي القلق أو الأسف أو الانزعاج اذا ثارت قضية فجأة، ثم يفكر في موقف يتخذه من دون أن يكون أفسد طريق المستقبل على نفسه بكلام يندم عليه. السناتور جون ماكين الذي ألحق به أوباما هزيمة مدوّية في التنافس على الرئاسة الأميركية هاجم موقف الرئيس من ايران وطالبه بأن يعلن انها كانت فاسدة ومزورة. لن أسأل كيف عرف ماكين هذا من اريزونا، فواضح أنه يحاول الإساءة للرجل الذي هزمه. إلا أن كلمات قالها أوباما عن أحداث ايران أثبتت أنه أذكى من جميع المحيطين به، ومن خصومه الجمهوريين، وربما من أركان الصحافة الغربية الذين كادوا يقنعون أنفسهم، ونحن معهم، أننا أمام مواجهة على طريقة ساحة تيانانمين في بكين. في مقابلة مع «سي أن بي سي» و «نيويورك تايمز» هذا الأسبوع مرت كلمات بسيطة للرئيس أوباما بهدوء مع أنها تستحق أن تكون موضع اهتمام المعنيين بالشأن الايراني. فهو قال إن الفرق بين أحمدي نجاد وموسوي ليس كبيراً كما يروج له. في كل مقال لي عن الانتخابات الإيرانية انتقدت الحديث الساذج عن متشدد أو متطرف ومعتدل أو اصلاحي، وأشرت الى سجل موسوي وهو رئيس للوزراء في الثمانينات، وعدت الى رئاسة مهدي كروبي بعثة الحج الى السعودية سنة 1985، وحاولت أن أذكّر الجميع بأن البرنامج النووي الإيراني استمر في ولايتي علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وقبلهما وبعدهما. ليس الأمر أن الرئيس أوباما أبدى رأياً مثل رأيي، فهو بالتأكيد لم يقرأ ما كتبت وإنما وصل الى رأيه بالقراءة والدرس والمنطق، لذلك كانت الحملات العنيفة عليه في الصحافة الإسرائيلية. وكل ما يهم العالم الخارجي من ايران، بتحريض اسرائيلي، هو برنامجها النووي الذي يُجمِع عليه الإيرانيون كلهم، حاكمون ومحكومون، ثم تصبح كلمتا متشدد وإصلاحي قصراً في المعنى على بعض الحريات الشخصية والصحافية للنشطين والمثقفين والنساء التقدميات في طهران وبعض المدن الكبرى، وهؤلاء دون عشرة في المئة من الشعب الايراني. أوباما قال أيضاً إنه سيكون هناك «مفعول عكسي» إذا بدا أن الولاياتالمتحدة تتدخل في الشؤون الداخلية لإيران، وهذا أيضاً كلام سليم مئة في المئة إلا أنه لا يناسب اسرائيل والليكوديين الأميركيين الذين يريدون أن تشن الولاياتالمتحدة حرباً على بلد لا يهددها اليوم أو بعد ألف سنة. والأرجح أن يحسم مرشد الثورة آية الله خامنئي الجدل اليوم بخطاب عن نتائج الانتخابات، وبمعزل عن أي تدخل خارجي. قبل تصريحات أوباما الأخيرة التي أثبتت لي أنه يعرف ما يريد ولن يخدع، كان هناك قرار مهم هو تحويل دنيس روس الى مجلس الأمن القومي مسؤولاً عن ايران فيه، بدل أن يكون المبعوث الى ايران، مثل جورج ميتشل الى الفلسطينيين واسرائيل وريتشارد هولبروك الى أفغانستان وإيران. روس كان أكثر أعضاء ادارة كلينتون ليكودية، وهو بعد ترك الإدارة عمل رئيساً لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي أسسه مارتن انديك لدعم اسرائيل والدفاع عنها، في حين أن الأعضاء الآخرين مثل دانيال كيرتزر وآرون ميلر حافظوا على توجهاتهم الليبرالية في ما انتقلوا اليه من أعمال. إدارة أوباما ستخدم في سياستها ازاء ايران المصالح الأميركية لا اسرائيل وهذا يكفي.