«هذا مفتاح عودتكم فاحملوه» كلمات أدرجت في وصية الحاج خميس الجرادات (75 سنة) أحد فلسطينيي الشتات في سورية، الذي ما أن تطأ عتبة بيته حتى تستقبلك خريطة فلسطين مصطحبة إياك إلى معرضٍ يضم عشرات المفاتيح الصدئة و «الكوشانات» (صكوك ملكية البيوت والأراضي)، وبعض الطوابع القديمة وأختام البلديات، إضافة إلى الزي الفلسطيني والنحاسيات، جميعها استقدمها خميس من قريته (الزنغرية) في عام النكبة 1948. واليوم تجول تلك الأغراض المراكز الثقافية في عشرة مخيمات فلسطينية موجودة في سورية، بغية توريث القضية للشباب الفلسطيني بحسب خميس الذي قرر أن يؤسس لحالةٍ نضاليةٍ خاصة، لا يسمع منها أزيز الرصاص، فالحرب اليوم كما يرى هي حرب إعلامية يتوجب فيها على جيل النكبة تدوين الحقائق وحمايتها من التزييف. توريث القضية الحاج خميس واحد من 500 ألف لاجئ فلسطيني في سورية وفقاً لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، وجدوا في عرض ما جلبوه من فلسطين الوسيلة الأنجع للتذكير بحق العودة وتوريث القضية من جيل النكبة إلى جيل الشباب الذين تؤكد سوسن رجب (رئيسة مركز ببيلا الثقافي العربي) حضورهم الدائم بصفة مشاركين ومنظمين وحضور في مجمل المعارض، وبنسبة تفوق مشاركة الكهول، فالموروث المادي كما يجده علي شاويش ابن ال25 سنة أحد أهم أساليب المقاومة. والدليل القانوني الدامغ لمسألة العودة، لذلك لا يتوانى عن إشراك 70 كوشاناً ورثها عن جده في أي نشاط يحيي ذكر فلسطين بمكوناتها الجغرافية والتاريخية والسياسية والاجتماعية، ومجمل الحياة التي كانت نابضة فيها. وبالحماسة ذاتها، يصر ماهر منصور على أن الجيل الشاب أكثر تمسكاً من جيل النكبة في ما يتعلق بحق العودة لفلسطين، وبالتالي عدم التفريط بحبة تراب من أرضها، يقول: «المفتاح تحول من أداة معدنية إلى ذاكرة راسخة وشاهد على الحق، ونحن شباب الشتات نعي أن التراث والزي والمفاتيح هي صكوك ملكية الأوطان، ويتفق معه عاصم الجردات (22 سنة) مبدياً ولعه بأي غرض يخص فلسطين، كونه وعلى حد قوله يمكّنه من تلمس وطنٍ لم يَخْبَره إلا عبر المفتاح والتراث. بدورها منظمة «تجمع العودة الفلسطيني واجب» بفروعها ال 14 في سورية تعمل جاهدةً لتوريث القضية بشكلٍ ينتقل من خلاله مفتاح الدار ووثائق الملكية إلى الابن وفقاً لأحمد باش منسق العلاقات العامة، والذي يحرص على عقد لقاءات تجمع جيل النكبة والشباب في جلساتٍ تشهد عرض صورٍ وأفلام لقرى فلسطين قبل الاحتلال وبعده، إضافة الى نقاشات موسعة عن حق العودة، فالمنظمة تسعى على حد قوله لأن تكون رافداً للمعلومات في هذا المجال، وخصوصاً من خلال تنظيم المعارض والفعاليات. حرص الجمعية على التعريف بالتراث الفلسطيني جاء إثر محاولة إسرائيل سرقته ونسبه إليها كما حدث في السبعينات، حينما ألبست شركة «العال» الإسرائيلية للطيران مضيفاتها الزي الفلسطيني، الكلام هنا لماجد الزير (مدير مركز العودة في لندن ونائب رئيس مؤتمر الجاليات الفلسطينية في أوروبا)، فضلاً عن تقديم فرق فنية إسرائيلية لأغانٍ وأهازيج فلسطينية على أنها تراث صهيوني، من هنا تتأتى وبحسب الزير ضرورة التصاق الشتات الفلسطيني برموز باتت أشبه بحبل السرة الذي يربطهم بالوطن الأم.