أخبار الثورات العربية والثورات عليها أو التآمر أصابتني بإحباط وإعياء، وقررت أن أحمل أوراق العمل وأذهب إلى روما حيث يقيم الصديق بسام حفلة عيد ميلاده كل سنة، وهي حفلة من مستوى ملوكي. أحاول اليوم أن أنتزع من القارئ بسمة في زمن العبوس، ولو كانت على حسابي، ففي الطائرة شعرت بما يشبه تلبكاً في المعدة ولكن من دون ألم إطلاقاً، ولازمني الشعور في الفندق وحتى الحفلة، وقلت في نفسي «اللي ما لو حظ لا يتعب ولا يشقى» وأنا أرى الأصدقاء يلتهمون ألذ طعام إيطالي، كأنهم خارجون من مجاعة، وأنا آكل خبزاً محمصاً (توست)، مع ماء، فقد اخترت الحذر، مع أنني لم أمرض في 35 سنة من الكتابة اليومية، ولم أدّعِ المرض، ولم تتوقف زاويتي في «الشرق الأوسط» ثم «الحياة» يوماً. حكيت للصديق سعد ما حدث فقال أنا ذاهب إلى المستشفى (لتغيير ضمادة على رأسه بعد أن أصيب بجرح وهو تحت «الدوش») وأصر على أن أرافقه، بتحريض خفي من زوجتي. وفحصني الطبيب في المستشفى وقد فوجئت بأنه بدا قلقاً عندما تحسّس معدتي، وأظهر فحص بالأشعة أن المرارة متضخمة وفيها حصى كثيرة. وكنت أعتقد أن مرارة الرجل «تفقع» تلقائياً بعد بضع سنوات من الزواج. وهكذا كان وأجريت لي عملية سريعة في بداية المساء، وعدت في اليوم التالي إلى الأصدقاء والكل يقول «حظك منيح» أو «الله بحبك». وتركتهم وكتبت مقال اليوم التالي. أرجو أن يحبني الله وأسعى إلى أن يحبني، ولكن لم أفهم منطق الأصدقاء أن يترجم الحب حصى في المرارة، وأيضاً لم أفهم كيف «حظي منيح» وهو لو كان كذلك لما أصيبت المرارة أصلاً. الأصدقاء جعلوني أفكر في نكات بالإنكليزية تقوم على موضوع «خبر جيد وخبر سيء»، من نوع أن يقول الطبيب للمريض «عندي لك خبر جيد وخبر سيّء. الخبر الجيد أنك لست موسوساً، بل أنت مريض فعلاً. الخبر السيء أنهم سيطلقون اسمك على هذا المرض (لينضمّ إلى باركنسون والزهايمر وداونز). حاولت أن أطبق الخبر الجيد والخبر السيّء على وضعي، وطلعت بالآتي: خبر جيد: لا ألم قبل العملية أو بعدها. خبر سيء: غياب الألم يعني أن يستفحل المرض قبل أن يكتشف. خبر جيد: أصدقائي أثرياء ويعرفون روما جيداً من أفضل مطاعم إلى أفضل مستشفيات. خبر سيء: أخذت إلى أغلى مستشفى في روما. خبر أسوأ: الألم كان في جيبي. خبر جيد: الطبيب كان يستحق أجره. خبر سيّء: أجره يكفي لحل مشاكل اقتصاد اليونان. خبر أسوأ: ليس معي أجره. خبر جيد: العملية أجريت يوم عيد ميلادي وكُتب لي عمر جديد. خبر سيّء: في هذا العمر كل ما أريد في عيد ميلادي ألا أذكّر به. خبر أسوأ: هي دي عيشة. خبر جيد: الأعمار بيد الله. خبر سيّء: على سبيل الاحتياط أوصيت بجميع ملابسي الداخلية المستعملة لصديقي سامي. أنا كريم وهو يستاهل. خبر جيد: أنا في إيطاليا المشهورة بما لذ وطاب من الطعام. خبر سيّء: أنا ممنوع من الأكل في إيطاليا باستثناء الخبز المحمص إياه، ولا يسمح لي بالأكل إلا بعد انتهاء برنامج الحمية والعودة إلى لندن حيث لا أريد أن آكل. أتوقف لأقول إنني أستغرب جداً أن يصاب إنسان بمرض لا يرافقه ألم قبل العملية الجراحية أو بعدها. فلعل بين القراء من عنده تجربة مماثلة ينورنا بها. وأزيد أنني أجري فحصاً طبياً سنوياً كأكثر الناس، وعلاماتي فيه فوق الممتازة، حتى أن الطبيب قبل سنتين أوقف الفحص وقال لي أنني أضيع وقته ووقتي وطردني بتهذيب من عيادته. بقيت في المستشفى يوماً واحداً، والممرضة الحسناء سألتني هل أرغب في شيء، وقلت لها إنني لست في وضع الرغبة بل الرهبة. مع ذلك سؤالها ذكرني بكاريكاتور قديم في مجلة أميركية وبائعة حسناء في متجر تسأل الزبون: ما هي رغبتك؟ ويرد الزبون: رغبتي في أن آخذك إلى جزيرة في البحر الكاريبي، نحن فيها وحدنا لنشرب كأس الحب. أما حاجتي فهي زوج كلسات (جرابات). أقول لكل قارئ محب إن العملية انتهت بسرعة وبسلام، وأقول للقارئ الآخر ألا يقنط فقد أصاب بمرض خطير غداً. [email protected]