ألقت المبادرة العملاقة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في مجال الاستثمار في طاقة الشمس ضوءاً كاشفاً على جوانب متنوّعة في المشهديّة العالميّة للطاقة. وفي أواخر آذار (مارس) 2018، أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مبادرة طموحة هي «خطة الطاقة الشمسيّة 2030». وتشمل المبادرة التي تجري أساساً بالتعاون مع «صندوق رؤية- سوفت بنك»، جهوداً متنوعة في مجال الاستفادة من طاقة، بل تعتبر الأضخم عالميّاً مع توظيف استثماري يلامس 200 بليون دولار. وفي مقلب آخر من المشهديّة عينها، يعتبر التحوّل الجاري في مجال الطاقة جغرافيّاً بمقدار كونه تقنيّاً. ولعل أوضح المؤشّرات على ذلك أنه بحلول العام 2040، ستصبح الدول النامية مسؤولة عن 65 في المئة عن استهلاك الطاقة العالمي، وفقاً لتقرير صدر أخيراً عن «الإدارة الأميركية لمعلومات الطاقة». ويمثّل ما سبق ارتفاعاً عن ال54 في المئة المسجلة خلال العام 2010. وعلى امتداد العقود الثلاثة المقبلة، يتوقّع أن ترتفع مستويات استهلاك الطاقة بقرابة 2.2 في المئة سنويّاً، في الدول الواقعة خارج نطاق «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» Organization of Cooperation & Economic Development. وعلى نقيض ذلك، تشهد دول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» التي تضمّ الاقتصادات الغربية الرئيسيّة في أوروبا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة، زيادة في مستويات استهلاك الطاقة بما لا يزيد على 0.5 في المئة سنوياً، ما يتماشى نسبياً مع نمو عدد السكان فيها. ومن اللافت أنّ القسم الأكبر من نمو استهلاك الطاقة، يحدث في دول كالصينوالهند، تعتمد في توليد الطاقة الكهربائية على الفحم المُسبب للتلوّث الكربوني، إضافة إلى أنواع أخرى من الوقود الأحفوري. تقدّم هائل ولكن... يمثّل العنصر المجهول الكبير في متغيّرات الطاقة، أساساً في مدى نجاح دول كالصينوالهند في استبدال وقودها الأحفوري بمصادر طاقة متجددة كطاقتي الشمس والرياح، مع العلم أن النمو في مشاريع الطاقة المتجدّدة كان هائلاً في السنوات الماضية. وفي مثل لافت، أعلنت الصينوالهند عن أهداف طموحة، تتمثّل في سعيهما لتوفير 49 ألف ميغاواط/ ساعة من الكهرباء الآتية من طاقتي الشمس والمياه، مع حلول نهاية العام الجاري. ويرى بحّاثة أنّ تلك الأهداف هي بمثابة برنامج عملاق يُبتغَى منه استحداث الوظائف لإنقاذ شركات تصنيع الألواح الشمسيّة المتعثرة في تلك البلاد، التي كدّست ديوناً ببلايين الدولارات من بنوك الدولة. وفي المقابل، هناك إشارة إلى جدّية مساعي الصين في شأن خفض مستويات اعتمادها على الكهرباء المولّدة من الفحم الحجري، وعدم الاقتصار على دعم قطاع الطاقة الشمسيّة محلياً. وقبل سنوات قليلة، أطلق «بنك أوف بكين» خطاً ائتمانياً بقيمة 574 مليون دولار لمصلحة شركة «هان هوا سولار وان» المختصّة في إنتاج ألواح الطاقة الشمسيّة في كوريا الجنوبية، بهدف تمويل عملية بناء محطات توليد الكهرباء من الشمس في الصين. وفي نيسان (أبريل) 2018، كشفت مجموعة «سوفت بنك» اليابانية عن مشروع ياباني- هندي مشترك للطاقة الشمسيّة بقيمة 930 مليون دولار. وبيّنت أن عملها يتضمن تعاوناً تقنياً مع شركة «جي. سي. إل سيستم أنتغرايشن تكنولوجي»، ويأتي ضمن خريطة طريق طموحة ل «سوفت بنك» للاستثمار في طاقة الشمس في شبه القارة الهندية. ويعمل المشروع بالاستناد إلى ألواح تولد الكهرباء مباشرة من ضوء الشمس. وبصورة عامة، تنقسم الألواح الشمسيّة إلى نوعين رئيسيين، يعمل أحدهما على تركيز حرارة الشمس لتسخين مياهٍ تتحول بخاراً يستعمل في تدوير توربينات لتوليد الكهرباء. ويعمل النوع الثاني بالاستناد إلى تقنية تستولد الكهرباء من ضوء الشمس بصورة مباشرة. وأوضحت شركة «جي. سي. إل» أنها ستقدم التكنولوجيا اللازمة للألواح الكهروضوئية، وأن «سوفت بنك» تساعدها في الحصول على الأرض وموافقات الجهات التنظيمية في الهند. وفي نهاية المطاف، سوف تبلغ قدرة المشروع المشترك قرابة أربعة غيغاواط/ ساعة، وينفذ على مرحلتين متساويتين. وتملك الشركة اليابانية 60 في المئة من أسهم المشروع، وتحوز «جي. سي. إل.» 40 في المئة منها. ويأتي تمويل المشروع من «صندوق رؤية» التابع ل «سوفت بنك»، الذي يلقى دعماً من شركتي «آبل» و «فوكسكون» و «صندوق الثروة السياديّة السعودي». وفي أيار (مايو) 2017، جمع الصندوق ما يزيد على 93 بليون دولار، ما يجعله أكبر صندوق للاستثمار المباشر في العالم. وفي 2015، أوضحت «سوفت بنك» أنها تستثمر مشروعات طاقة شمسيّة في الهند، تصل قيمتها إلى قرابة 20 بليون دولار، بالمشاركة مع «فوكسكون تكنولوجي» و «بهارتي أنتربرايزس». وتستهدف تلك المشروعات توليد 100 غيغاواط/ ساعة من الكهرباء من الطاقة الشمسيّة بحلول 2022. طموح سعودي متوثِّب وفقاً لمعلومات نشرتها وكالة «رويترز»، أوضح ماسايوشي سون، الرئيس التنفيذي لمجموعة «سوفت بنك»، أن «صندوق رؤية» التابع للشركة سيستثمر في شركة تعمل على توليد الكهرباء من طاقة الشمس في السعودية. وتوقع أن تصبح الشركة أكبر منتج لذلك النوع من الطاقة عالمياً. وتوقّع أن تصل طاقة إنتاج المشروع إلى 200 غيغاواط/ ساعة بحلول العام 2030. ويضاف ذلك الرقم إلى طاقة مركبة عالمياً تبلغ نحو 400 غيغاواط/ ساعة، ويمكن مقارنته بإجمالي قدرة التوليد النووية العالميّة التي بلغت قرابة 390 غيغاواط/ ساعة في نهاية 2016. وبفضل الاستثمار في طاقة الشمس، تستطيع السعودية التي تحتل المركز الأول في تصدير النفط عالميّاً، أن تخفض كمية النفط الخام التي تستخدمها حاضراً لتوليد الكهرباء. وتالياً، ستكون قادرة على زيادة تصدير نفطها عالميّاً، خصوصاً إلى الأسواق الآسيوية، وهو أمر بالغ الأهمية في السوق العالمي للبترول ومتغيراته. وكذلك توضح تلك الخطوة التزام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتغيير الوضع الاقتصادي في المملكة، وصولاً إلى الخروج من الاعتماد على العائد الريعي للنفط. وفي مزيد التفاصيل، بيّن سون أن التكلفة الاستثمارية النهائية للمشروع الموقع مع السعودية، وهي تشمل الألواح الشمسيّة وبطاريات التخزين ومنشأة لتصنيع الألواح في السعودية، ستصل إلى قرابة 200 بليون دولار، وهو رقم مذهل في ذلك المجال. وأوضح سون أن المرحلة الأولى من المشروع تبلغ قدرتها 7.2 غيغاواط/ ساعة، وستتكلف خمسة بلايين دولار، من بينها بليون دولار تأتي مباشرة من «صندوق رؤية- سوفت بنك»، فيما تأتي البقية من مصادر متنوّعة. وأشار سون إلى أن خطة الإصلاح السعودية المعروفة باسم «رؤية المملكة 2030» التي تهدف لتقليص اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط، تتسق كثيراً مع رؤية «صندوق رؤية» الطويلة المدى في شأن الابتكار. وكذلك أعرب سون عن اعتقاده بأن «هاتين الرؤيتين اتحدتا معا لخلق طاقة متجددة نظيفة مستدامة ومنخفضة التكلفة... إن المملكة بلد ينعم بوفرة في أشعة الشمس، ومساحات ضخمة من الأراضي القابلة لاستضافة مشاريع طاقة شمسية، إضافة إلى مهندسين متميزين». وعلى رغم أن السعودية من أكثر البلدان التي تحظى بأيام مشمسة عالمياً، تستولد المملكة معظم الكهرباء من محطات تعمل عن طريق حرق النفط .