تعرف على تفاصيل نظام التأمينات الجديد    السعودية تجتذب السياح الصينيين    حريق جبلي يغلق عقبة الباحة    المجر تلغي محادثات مع وزيرة الخارجية الألمانية    يورو 2024.. فرنسا تفوز على البرتغال وتتأهل لنصف النهائي    "الخلود" يعين "البلوي" مشرفاً عاماً على كرة القدم بالنادي    الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    انتشال 89 جثة لمهاجرين غرق قاربهم قبالة ساحل موريتانيا    حدائق ومتنزهات الجوف تجذب الزوار مع اعتدال الأجواء بالمنطقة    الطائف مقصد السياح وبوصلة الإستثمار    «حزب العمال» يحكم بريطانيا    "الأخضر" تحت 19 عاماً يُتوّج بطلاً لبطولة اتحاد غرب آسيا 2024    «سلاح التبرعات» يهدد بايدن.. الضغوط تتزايد    وكيل مُحافظة وادي الدواسر يٌكرّم الكشافة المشاركين في خدمة الحجاج    كشافة المملكة يبهرون المشاركين بشغفهم بالعلوم والتكنولوجيا    تنظم حفل تكريم للأيتام بمشاركة واسعة من المجتمع المحلي    " تذكرة مغترب" في اليوم الثاني من ملتقى الدمام المسرحي    محافظ حفر الباطن يدشن الحملة الصيفية للتوعية ومحو الأميّة    الرئيس العام يشكر منسوبي الرئاسة العامة المشاركين في موسم الحج    أكثر من 15 ألف مستفيد من برامج "هداية" بالخبر في يونيو    اصدقاء البيئة والجمعية السعودية للإعاقة السمعية توقعان إتفاقية تعاون مشتركة    فرنسا تهزم البرتغال بضربات الترجيح    المحكمة العليا‬⁩: غداً السبت المكمل ل"ذي الحجة"    بايدن: سأستمر في السباق الرئاسي وسأفوز بولاية ثانية    «الأرصاد» تنبه من أتربة مُثارة على أجزاء من الرياض    الأخضر الشاب يهزم الإمارات ويتوج بطلاً لغرب آسيا    تحديث ضوابط إعفاء البضائع المعادة من الرسوم الجمركية    النائب العامّ يبحث تعزيز التعاون القانوني مع الصين    الجرائم العابرة للحدود على طاولة نقاش سعودي – صيني    تحديثات جوجل تغلق المواقع الصغيرة    انتهاء مسيرة كروس بشكل حزين بعد إقصاء منتخب ألمانيا من يورو 2024    الهلال يتدخل لتغيير وجهة أوسيمين    نائب أمير منطقة الجوف يعزّي محافظ صوير في وفاة والده    القبض على مواطن في نجران لترويجه مواد مخدرة    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء هولندا بمناسبة أدائه اليمين الدستورية    شركات طوافة تخطط لمجالات استثمارية نوعية واستقطاب حجاج دول جديدة    «الأحوال المدنية»: أمرٌ سامٍ بمنح الجنسية السعودية ل«محمد العنزي»    أمر ملكي: للوزير رفع طلب تحديد من يحلّ محلّه من نوابه.. والاتفاق معه على الصلاحيات    بريطانيا تخالف أوروبا.. وتنعطف إلى اليسار    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    طريقة عمل الدجاج المشوي بصلصة الباربكيو والمشمش    الذهب يلمع والنفط بأعلى مستوياته منذ أبريل    رياح وأتربة على 4 مناطق بينها الرياض    إطلاق العرض العالمي ل"جريندايزر يو" بالرياض    أمير القصيم يبارك حصول جميعة الإسكان الأهلية بالقصيم على جائزة الأمير محمد بن فهد    المملكة تحقق أرقامًا قياسية في إنفاق السياح    محافظ بيش يتابع تحسين المشهد الحضري لطريق الملك عبدالعزيز    النَّقدُ العربيُّ من القيود إلى الرحابة    الفجوة التربوية المبكرة    الفنون والآداب السعودية تقتنص الوسام الفرنسي برتبة «فارس»    الجينز الأصفر تقليعة جينزات الصيف    خبير طبي يكشف الحقيقة:المرأة أكثر عمقاً وبطئاً من الرجل في النوم !    لا ترضوا أطفالكم بالأجهزة اللوحية.. سلوكياتهم تسوء    عيون موظفي المكاتب في خطر.. الحل في «قاعدة 20»    العُلا.. الأسرار والعجائب    العنصرية والأنانية والعبثية جزء من المكون الفكري الغربي    محافظ بيش يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية الفرعية بالمحافظة    أمير تبوك يواسي شيخ قبيلة العميرات في وفاة شقيقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجولة المصرية الثانية تصحيح أم مزيد من الفوضى؟
نشر في الحياة يوم 11 - 07 - 2011

دخلت مصر يوم الجمعة المرحلة الثانية من «الثورة». دخلت جولة جديدة مفتوحة على حركة تصحيح أو تجميل أو... مزيد من الفوضى، ومزيد من الصراعات المكبوتة بين اللاعبين جميعاً. وشعار «الشباب» في هذه المرحلة أن الثورة لم تحقق أهدافها كاملة، أي أن الحراك يجب ألا يتوقف. بل تجب العودة إلى سياسة الضغط الدائم والمتواصل.
يعتقد بعض الأطراف الذين ساهموا في إطلاق «ثورة 25 يناير» بأن المجلس العسكري الذي يدير المرحلة الانتقالية لم يقدم خريطة طريق واضحة يمكنهم التموضع على أساسها والتعامل مع موجباتها. وبعض القوى الناشئة لم يتح لها الوقت الكافي ولن يتاح لها هذا الوقت لتنظيم صفوفها من أجل خوض الانتخابات البرلمانية في ايلول (سبتمبر) المقبل، في مواجهة «الإخوان المسلمين» الأكثر تنظيماً، والذين لعبوا دوراً واسعاً في إدارة الاحتجاجات بعد التحاقهم ب «شباب الثورة». وغياب مثل هذه الخريطة يربك القوى الصاعدة أو تلك التي كان النظام البائد يحول دونها ودون العمل السياسي المشروع. وهي تبدي تالياً مخاوف مشروعة من المقدمات والظروف التي تحيط بقيام النظام الجديد الذي سيخلف نظام حسني مبارك.
المحتشدون في الساحات في «جمعة الثورة أولاً»، قبل ثلاثة أيام، بعثوا برسالة واضحة تحمل رفضهم المعادلة الداخلية القائمة بين «الإخوان» والمؤسسة العسكرية. لذلك بالغوا في رفع الشعارات المناهضة لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي وحكومة عصام شرف والجهاز القضائي. أثارتهم الأحكام القضائية على رموز من العهد البائد، وتخبط الحكومة في قراراتها ومثلها تخبط القضاء. حتى أن بعضهم تنتابه مخاوف من أن تخوض الانتخابات قوى كانت ناشطة في الحزب الوطني السابق، ويمكنها أن تعيد تجميع صفوفها تحت مسميات مختلفة لتدخل السباق. وهي لا تزال تملك الكثير من أسباب القوة المالية والاقتصادية. ولا يزال لها مناصرون في صفوف بعض المؤسسات ولا سيما منها الأمنية. وكذلك أولئك الذين يشعرون بأن التغيير سيهمّشهم إن لم يطاولهم سيف العقاب.
وما يزيد مخاوف هذه القوى أن تؤدي سيطرة «الإخوان» على المجلس النيابي الجديد إلى غلبتهم في تقرير شكل الدستور الجديد الذي يفترض أن يصاغ إثر الاستحقاقات الانتخابية... بالتفاهم أو التقاسم مع العسكر الذي أظهرت التطورات والأحداث الأخيرة أنه لمس الشعور الغالب، وهو أن حكومة عصام شرف فشلت ويجب أن تتغير. وربما كانت هناك حاجة إلى حكومة أكثر قدرة على الإمساك بالوضع لتظل المؤسسة العسكرية في الإطار الخلفي للصورة. لذلك تحاول هذه القوى أن تدفع في اتجاه تأخير الانتخابات إلى ما بعد صياغة دستور جديد، وحتى تتوافر لها فرصة ترتيب صفوفها. لكن المتمسكين بموعد الانتخابات يردون بأن الاستفتاء الذي أجري على التعديلات الدستورية الأخيرة قبل نحو ثلاثة أشهر أظهر أن ثمة أرجحية للأجندة التي وضعها المجلس العسكري. ولا حاجة بالتالي للعودة إلى الشعب واستمزاج رأيه في هذا الإشكال القائم.
في ظل هذه المخاوف، وفي خضم هذا الصراع المكبوت عاد «الشباب» إلى الميادين والساحات. وعادوا إلى رفع شعار «التغيير»، أساس الحراك وهدفه الأول. لم تثنهم القرارات الاستباقية التي حاولت الجهات الرسمية إرضاءهم بها للتخفيف من حال الاحتقان. خرجت القوى السياسية ب «وثيقة المبادئ فوق الدستورية» لتهدئة الجدل الدائر أيهما أولاً الانتخابات أم تعديل الدستور. ويفترض أن تشكل الوثيقة سقفاً تهتدي به الجهة التي ستتولى تعديل الدستور بعد الانتخابات الموعودة. يبقى أن موعد الانتخابات قد يخضع هو الآخر للتأجيل بضعة أشهر من أجل مزيد من الإرضاء لفئات سياسية صاعدة لم تكمل أو تنشئ بعد هياكلها التنظيمية. وكذلك أعلن وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي إحالة المئات من كبار المسؤولين الأمنيين والضباط المشتبه بتورطهم في قمع التظاهرات على التقاعد. وكذلك فعلت الأجهزة القضائية بسوق عدد من رموز النظام السابق أمام العدالة.
لم يلتفت أهل الساحات والميادين إلى هذه الخطوات. بل أعلن الناطق باسم «ائتلاف شباب الثورة» خالد السيد تعليقاً على هذه القرارات والإجراءات رفض «التعامل بالقطعة»، أي السير نحو تحقيق أهداف الثورة خطوة خطوة. هذا هو بيت القصيد. المجلس العسكري لا يريد الصدام أو المواجهة مع «الشباب». حاول إرضاءهم بخطوات جديدة. لكنه لا يستطيع تبديد مخاوفهم من «الاستعانة» عليهم بالتفاهم مع «الإخوان»، عندما تحين الظروف. وهؤلاء يرى «شيوخهم»، بخلاف بعض شبابهم المتحمس، أن لا مصلحة للصدام مع العسكر، وفي ذاكرتهم أكثر من نصف قرن من «القهر» الذي تعرضوا له ومنعوا من العمل السياسي العلني، وقاسوا مرارات السجون والنفي والتشرد.
لكن «الشباب» الذين أطلقوا شرارة التغيير لا يرغبون في أن «يسرق» أحد منهم ما حققوه حتى الآن. وثمة من يخشى أن يؤدي الإصرار على العودة إلى الميادين إلى نوع من الفوضى فيما البلاد تحتاج إلى فترة هدوء ليتنفس الاقتصاد وحركة العمل والمؤسسات. كما أن رفع وتيرة الأصوات التي تنتقد المشير حسين طنطاوي، وبعضها يطالب برحيله قد توتر صفوف الجيش الذي لا يمكن أن يسمح بأن تمتد أيدي المتظاهرين إلى قياداته. هذا الأمر «خط أحمر» لا يسمح العسكر لأحد بتجاوزه. فالمعروف أن العسكر، بالمبدأ، لا يهوون غالباً المدنيين، وأن المجلس العسكري يهمه في النهاية قيام «الدولة المدنية». وهو حريص على عدم المجازفة أو المغامرة بالصدام مع «الشباب».
أكثر من ذلك يرغب المجلس العسكري بالتأكيد في إيصال رئيس إلى القصر يكون من جانبه أو يحظى برضا وغطاء منه أولاً وأخيراً. وثمة من يعتقد بأن تغلغل الجيش في كل نواحي المؤسسات والمصانع والمزارع، أي بما هو جزء أساس من العجلة الاقتصادية في البلاد قادر، إذا استمر تفاهمه مع «الإخوان»، على إيصال الشخص الذي يريد في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد الاشتراعية. يعني ذلك في المحصلة أن النظام السابق ذهب بلا رجعة، لكن المؤسسة التي حملت الرئيس مبارك وواكبته نحو نصف قرن، وقبله حملت الرئيسين عبدالناصر والسادات، لا تزال قادرة على انتاج نظام آخر بمواصفات مختلفة. يعني ذلك أن الثورة لم تحقق كل أحلام «الشباب». ويعني ذلك أيضاً بقاء العسكر غطاء يشرف ويراقب كل شيء عن قرب أو عن بعد كما تملي الحاجة.
ثمة أمر آخر هو موضوع الشرطة وقوى الأمن التي يعتقد أركانها بأن جميع الأطراف المعنيين بالحراك يحمّلونها مسؤولية ما جرى منذ اندلاع الثورة حتى الآن. ولعل مرد ذلك إلى الدور الذي لعبه نظام مبارك الذي عمل في إطار «خطة التوريث» على تفريغ مؤسسة الجيش من القيادات التي يمكن أن تحول دون هذا الأمر. ولجأ في المقابل إلى الاعتماد على قوى الشرطة والمباحث وغيرها من أجهزة أمن داخلي. وهذا ما يفسر ربما غياب هذه الأجهزة الفاضح عن حماية الناس أيام عز الحراك وغيابها عن الساحات والأحياء السكنية والتجارية والأسواق. ولا شك في أن صراعها المكبوت مع المجلس العسكري ومع قيادات «الشباب» ستفاقمه القرارات الأخيرة التي وعد بها وزير الداخلية عشية «جمعة الثورة أولاً». وعد بإحالة المئات من كبار المسؤولين الأمنيين والضباط المشتبه بتورطهم في قمع التظاهرات على التقاعد. سيشعر هؤلاء بمزيد من الغبن والإقصاء.
والسؤال الكبير في المرحلة الثانية أو الجولة الثانية من الثورة هل يتوافق المتصارعون، عسكريين وأمنيين ومدنيين وقوى سياسية، على تسويات وحلول وسط تحفظ للجميع أدوارهم لئلا تنزلق مصر إلى مرحلة غامضة من الفوضى؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.