بعد دخول القوت الأميركية إلى العراق تم اجتياح ونهب المتاحف والأماكن والمواقع الأثرية هناك. وقد تداعت المنظمات العربية والإقليمية والعالمية لحفظ تلك الممتلكات الأثرية وضرورة العمل على إعادة ما نهب من كنوز العراق الثقافية، وعمدت سورية إلى إعادة 1700 قطعة أثرية إلى العراق، وما يزال التعاون العربي المشترك في هذا المجال مستمراً. ونظراً إلى الظروف الأمنية في العراق، عقدت في دمشق أخيراً دورة تدريبية للأطر العراقية حول المسح الأثري للمباني التراثية في العراق، أقامتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «ايسيسكو»، بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف واللجنة الوطنية السورية للتربية والثقافة، لتدريب عشرة كوادر عراقية على يد خبراء سوريين من أجل جعل الكوادر العراقية العاملة في مجال الآثار قادرة على العمل بأساليب وتقنيات حديثة للمسح والتوثيق الأثري. وتضمنت محاور الدورة كيفية تسجيل وتوثيق المبنى الأثري وكذلك استخدام نظم المعلومات الجغرافية في توثيق المواقع والمباني الأثرية والتدريب على استخدام الحاسوب في عمليات المسح الأثري وكذلك استخدام البرامج والتقنيات الحديثة المستخدمة في مديرية الثقافة السورية. وتطرق الخبراء السوريون إلى مجموعة من تجارب المديرية العامة للآثار والمتاحف في تسجيل المباني والمواقع الأثرية، وعرض تجربة تسجيل القرى الأثرية في شمالي سورية على لائحة التراث العالمي. ويعتبر المسح التراثي والأثري في العراق من أهم الأعمال الكبيرة التي تقوم بها الهيئة العامة للآثار والتراث المعنية بجرد وحماية تلك المواقع حفاظاً على الإرث الحضاري والتراثي في هذا البلد. وقد تم تحقيق نتائج ملموسة في هذا المضمار، خصوصاً في عام 2007 حيث قامت بمسح وتحديث الكثير من المواقع الأثرية بالطرق العلمية والحديثة. وفي هذا السياق تحرص المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة على إيلاء اهتمام خاص للتراث العراقي بهدف مساعدة العراقيين على إعادة ما دمر وما هدم، «ولذلك يأتي هذا النشاط المتعلق بالمسح الأثري بهدف إعداد وتأهيل الأطر العاملة وتزويدهم بالخبرات اللازمة في مجال عملهم» كما يقول الدكتور غسان صالح، ممثل الأيسيسكو، في حديث خاص ب «الحياة». هذا وقد تم اصطحاب المشاركين في جولات ميدانية إلى مديرية المباني والتوثيق الأثري في دمشق، وكذلك اطلاعهم على تجارب سورية رائدة في هذا المجال، كترميم الجامع الأموي في دمشق القديمة. وتطرقت الجلسات النظرية إلى أهمية التكنولوجيا في مجال التوثيق الأثري. وقال عبدالسلام ميداني، مهندس مختص في مديرية التقانة في دمشق، إن مشاريع البنى التحتية من أهم المشاريع التي تدعم التوثيق ومنها مثلاً تجهيز جميع مديريات الآثار والمتاحف بالأجهزة والحواسب اللازمة وملحقاتها، وكذلك تجهيز مديريات الآثار والمتاحف بالكاميرات الرقمية، إضافة إلى ضرورة الربط الشبكي بين جميع مديريات الآثار والمتاحف، من ثم تجهيز مخبر قواعد البيانات الأثري وتجهيز البرمجيات الخاصة بتوثيق القطع المتحفية واللقى الأثرية وفق محددات واحدة لكافة المتاحف الموجودة في البلد، بهدف ربط هذه القطع بمكان وجودها في الخريطة الرقمية التي سيتم بناؤها على نظام المعلومات الجغرافي GIS. ومن مهمات GIS العمل على دراسة متطلبات تطوير البنية التحتية لنظام المعلومات الجغرافي، وتأمين البرمجيات الخاصة وإعداد المشاريع الخاصة بنظم المعلومات بالتعاون مع المديريات المختصة، هذا عدا عن الربط التقني بين البيانات المتوافرة من المديريات مع نظام المعلومات الجغرافي المتكامل بنظام قواعد البيانات الأثري بهدف تشكيل الخريطة الرقمية الأثرية. كما عُرضت تجربة تسجيل محميات المدن المنسية السورية على لائحة التراث بهدف تمكين الأطر العراقية من الاستفادة من ذلك في تسجيل مدن عراقية مشابهة. ونوه الدكتور غسان صالح إلى أن هناك عدداً من الأنشطة الأخرى الموجهة للعراقيين، حيث سيعقد نشاط في الأردن للعاملين في مجال المسح والتوثيق الأثري حول استخدام المعلوماتية. وهناك أيضاً نشاطات أخرى من أجل تقديم المساعدات لإعادة ترميم المباني، إضافة إلى تشجيع الدراسات والبحوث التي تبرز واقع هذه المعالم الأثرية والتراثية في العراق.