سعت القيادة الايرانية امس الى امتصاص النقمة الشعبية المتصاعدة على نتائج الانتخابات الرئاسية والتي تمثلت في استمرار تظاهرات الاحتجاج في طهران لليوم الثالث على التوالي، وبعد بروز بُعد دولي لها ادى الى استدعاء وزارة الخارجية الايرانية بعض الديبلوماسيين الاجانب للاحتجاج لديهم على مواقف دولهم من عملية الاقتراع واعتبار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان «عنف السلطات» يعكس حجم التزوير الذي حصل فيها، في حين فرضت السلطات قيوداً مشددة على وسائل الاعلام الاجنبية. واعلن مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي تأييده لاعادة فرز جزئية للاصوات اذا اقتضى الامر، وقال بحسب ما نقل التلفزيون الرسمي الايراني عنه «اذا استدعت دراسة المشاكل اعادة فرز للاصوات في بعض صناديق الاقتراع، فيجب ان يتم ذلك بحضور ممثلين عن المرشحين لكي يتأكد الجميع» من النتائج. وأبلغت مصادر إيرانية «الحياة» أمس، ان ثمة ثلاثة سيناريوات أمام «مجلس صيانة الدستور» بعد إعلانه استعداده لإعادة فرز جزئي لأصوات الناخبين، إثر مطالبة المرشحَيْن الإصلاحيَيْن مير حسين موسوي ومهدي كروبي بإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية. وتشمل هذه السيناريوات، الدعوة الى دورة انتخابية ثانية يتنافس فيها موسوي والرئيس محمود أحمدي نجاد. ودخل رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني على خط الأزمة، منتقداً «قمع» وزارة الداخلية للطلاب، مؤكداً عزمه على إجراء تحقيق برلماني في هذا الشأن. في الوقت ذاته، تجاهل مؤيدو موسوي إعلانه إلغاء تظاهرة مقررة أمس، وتجمعوا في أحد شوارع العاصمة، لكنهم لم يصطدموا بمؤيدي نجاد الذين نظموا تظاهرة سُمّيت «مسيرة التوحيد» في ساحة ولي عصر. ونقلت وكالة «اسوشييتد برس» عن الرئيس السابق لمجلس الشورى (البرلمان) غلام علي حداد عادل قوله أمام المتظاهرين المؤيدين لنجاد: «هذه الأمة ستحمي ثورتها وتدافع عنها بأي وسيلة». جاء ذلك في وقت أبدى الرئيس الأميركي باراك اوباما «قلقه العميق» حيال الانتخابات الإيرانية. وقال بعد لقائه نظيره الكوري الجنوبي لي ميونغ باك: «قلت سابقاً إن لدي قلقاً عميقاً حول موضوع الانتخابات. اعتقد ان العالم كله يشعر بقلق شديد حيال الانتخابات». وأضاف اوباما أنه يؤمن ب «وجوب سماع صوت الشعب وألا يُقمع. هناك شعب يريد انفتاحاً أكبر، ونقاشاً اكبر، وديموقراطية أكبر». وأشار الى انه يعتقد أن الأمر الذي أصدره خامنئي بمراجعة العملية الانتخابية، «يؤشر الى انه يدرك ان ثمة مخاوف عميقة لدى الشعب الإيراني». وقال: «نظراً الى تاريخ العلاقات الأميركية - الإيرانية، لن يكون من المجدي ان يتدخل الرئيس الأميركي في الانتخابات الإيرانية». واكد ناطق اميركي استمرار الرغبة في الحوار مع ايران بغض النظر عن نتيجة الانتخابات والاحتجاجات. وفي ليبرفيل حيث شارك في تشييع الرئيس الغابوني عمر بونغو، رأى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان «رد الفعل العنيف» للسلطات الإيرانية على الاحتجاجات الشعبية، «يعكس حجم التزوير» في الانتخابات الرئاسية. وقال ان «هذه الانتخابات خبر سيّئ جداً. الشعب الإيراني يستحق غير ذلك»، مبدياً «قلقه حيال الوضع في إيران»، كما وصف ما يحصل بأنه «مأساة». وقال ان «صحوة الشارع الإيراني مشجعة». في غضون ذلك، عقد «مجلس صيانة الدستور» أمس اجتماعاً مع مندوبي المرشحين الثلاثة موسوي وكروبي ومحسن رضائي الذين طعنوا في نتائج الانتخابات، واتفق الجانبان على وضع آلية لفرز الأصوات والتحقق من نتيجة الاقتراع. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) عن الناطق باسم المجلس عباس علي كدخدائي قوله ان المجلس «وافق مبدئياً على طلب بعض المرشحين إعادة فرز الأصوات في بعض الصناديق، في حضور ممثلين عنهم». وأفادت وكالة أنباء «مهر» أن كدخدائي «لم يستبعد إمكان إعادة الانتخابات، على خلفية مطالبة موسوي وكروبي بإلغائها، شرط ان تكون هذه المطالب موثقة قانوناً». لكن وكالة «رويترز» نقلت عن وزير الداخلية السابق علي أكبر محتشمي بور، وهو مساعد لموسوي وحضر الاجتماع مع المجلس، قوله: «لا نريد إلا إلغاء نتيجة الانتخابات». وقال انه أطلع المجلس على 15 مخالفة انتخابية. وقالت مصادر ل «الحياة» ان ثمة 3 سيناريوات أمام «مجلس صيانة الدستور»: الأول إعادة فرز الأصوات في كل المناطق الإيرانية، الأمر الذي يصطدم بعقبات عملية تعقد مثل هذا الإجراء، والثاني إعادة فرز بعض الصناديق في شكل عشوائي للتحقق من صحة الأرقام الواردة في النتائج الأولية، وهذا ما يعارضه المرشحون لاعتقادهم بوجود خروقات انتخابية طاولت مجمل العملية الانتخابية. اما السيناريو الثالث فيتمثل في إلغاء الصناديق المختلف عليها وتحديداً «الصناديق المتحركة»، ما يفسح المجال أمام إجراء دورة انتخابية ثانية بين نجاد وموسوي. وانبثقت عن الاجتماع لجان لدراسة هذه السيناريوات مع الآليات المقترحة. وحمّل لاريجاني وزير الداخلية صادق محصولي مسؤولية الهجوم على جامعة طهران، والذي أدّى بحسب وكالة «رويترز» الى مقتل أربعة طلاب بينهم فتاة، لكن رئيس الجامعة نفى ذلك. وكان مجلس الأمن القومي عقد اجتماعاً أمس، بحث خلاله الأوضاع في البلاد، وخصوصاً مقتل 7 أشخاص في نهاية تظاهرة الإصلاحيين في طهران الاثنين الماضي. وأشار التلفزيون الإيراني الى اعتقال «العناصر الأساسية» وراء الاحتجاجات، وبحوزتهم متفجرات وأسلحة. ونقلت «رويترز» عن وزير الاستخبارات غلام حسين محسني إجئي قوله إن الوزارة تلاحق فئتين، إحداهما «كانت مدعومة من الخارج وأرادت تحقيق هدفها من خلال التفجيرات والإرهاب، واعتقل 50 شخصاً من عناصرها، والثانية كانت تتألف من مجموعات معادية للثورة واعتقل حوالى 26 من عناصرها». كما اعتقلت السلطات الإيرانية مسؤولين إصلاحيين بارزين هما سعيد هاجاريان ومحمد علي ابطحي النائب السابق للرئيس السابق محمد خاتمي. وفيما أفادت معلومات بأن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني انتقل الى مدينة قم، خرجت تظاهرة في تلك المدينة تندد بمواقفه وتدعم نجاد. وبعد استدعاء السفيرين الإيرانيين في باريس وبرلين الاثنين الماضي، استدعت الخارجية الإيرانية أمس القائم بالاعمال التشيخي والسفير البريطاني في طهران، احتجاجاً على رد فعل الاتحاد الأوروبي على أعمال العنف في إيران. وأفاد التلفزيون الإيراني بأن الخارجية أكّدت للقائم بالأعمال التشيخي انه «لا يحق للاتحاد الأوروبي، ولا لأي دولة أخرى، التدخل والإدلاء بملاحظات فظة بخصوص إيران، لاسيما حول انتخاباتنا المجيدة». وتتولى تشيخيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي حتى 30 الشهر الجاري. في لشبونة، اعتبر مهدي صفري نائب وزير الخارجية الإيراني الثلثاء أن الانتخابات الرئاسية في بلاده كانت اكثر ديموقراطية من الانتخابات الأوروبية الأخيرة. وقال للإذاعة الكاثوليكية البرتغالية: «لدينا النظام الأكثر ديموقراطية، ولكن بما يتناسب مع ثقافتنا وديننا واستناداً الى دستورنا».