اعتبر معظم اقطار «أوبك» قرار وكالة الطاقة الدولية في 23 حزيران (يونيو) باطلاق 60 مليون برميل من مخزون النفط الاستراتيجي لدى دولها الاعضاء، او ما يعادل ضخ 2 مليون برميل يوميا خلال الشهر الجاري، عملاً استفزازياً – اذ «اعاد حليمة الى عادتها القديمة» في الضغط على الاسواق من اجل خفض الاسعار بطريقة اصطناعية ومفتعلة، ما كان يتخوف منه أعضاء «أوبك» منذ دعى هنري كيسنجر الى تأسيس الوكالة في عام 1974. وما قامت به الوكالة من خلال اطلاق جزء من الاحتياط الاستراتيجي، محاولة منها للضغط على الاسعار، على رغم عوامل العرض والطلب. بمعنى اخر، عدم ترك الاسعار تتفاعل ضمن اطار السوق المفتوحة والحرة . فقد تدخلت الوكالة بضخ كميات من النفط الخام اكثر مما تحتاجه الاسواق فعلاً بهدف خفض تدريجي للأسعار. لماذا اتخذت وكالة الطاقة الدولية هذا القرار، في هذا الوقت بالذات؟ تتعدد وتختلف الاجوبة، ومنها: انها محاولة لخفض الاسعار نظراً الى الارتفاع الكبير في اسعار البنزين في الولاياتالمتحدة، واثره على الرأي العام الاميركي مع بدء الحملة الانتخابية، وفي فترة انحسار اقتصادي في كل من الولاياتالمتحدة واوروبا. او، انها محاولة لخفض الاسعار من اجل الضغط على ايران وتقليص وارداتها المالية ومن ثم نفوذها السياسي الاقليمي. كذلك، انها رد فعل على نجاح ايران ودول اعضاء أخرى في «اوبك»، في رفض زيادة سقف الانتاج خلال الاجتماع الوزاري الاخير للمنظمة. كما انها محاولة لتعويض انقطاع النفط الليبي الخفيف والادعاء بأن دول «اوبك» الاخرى لم توفر كميات اضافية كافية من نوع هذا النفط في الوقت المناسب. وقد تكون محاولة اميركية للضغط على الدول النفطية الكبرى لمساندتها السلطة الفلسطينية في اعلان الدولة الفلسطينية في ايلول (سبتمبر ) المقبل. اخيرا، انها محاولة استباقية في حال توسع رقعة الاضطرابات في دول عربية، وحصول انقطاعات اضافية في امدادات النفط الخام، كما يحصل في ليبيا. مهما كان السبب الحقيقي وراء هذا القرار، وهو قرار اميركي، (اذ من المعروف ان الوكالة تتبنى توجيهات واشنطن في هذه الامور الاستراتيجية)، من الواضح ان الهدف الاساس من القرار هو محاولة للضغط على اسعار النفط ، وليس التعويض عن النفط الليبي. وهذا يتناقض مع موضوعين اساسيين: اولاً، ان الهدف من المخزون الاستراتيجي هو لتعويض نقص في الامدادات، وليس من اجل التأثير او الضغط على اسعار النفط الخام. وثانيا، ان المعلومات المتوفرة، وبالذات تلك الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية نفسها، تشير الى توفر مخزون نفطي كاف، بل يزيد على المطلوب. فمعلومات الوكالة تشير الى ان مجمل المخزون النفطي في الدول الاعضاء هو نحو 4.1 بليون برميل من النفط الخام، خصص نحو 1.6 بليون منها للحالات الاضطرارية. هذا يعني، بلغة الارقام، ان هناك نفطاً خاماً متوافراً لدى الدول الصناعية الغربية يكفي لمدة 146 يوما (او نحو خمسة شهور ) من النفط الخام المستورد، بينما المطلوب هو توفير مخزون نفطي لمدة 90 يوما (ثلاث اشهر)، بحسب انظمة وكالة الطاقة الدولية. بمعنى اخر، ان مخزون النفط الخام لدى الدول الصناعية اكثر من كاف في الوقت الحاضر، حتى لو توسعت رقعة «الربيع العربي» الديموقراطي، او طال امدها. ثانيا، اذا افترضنا ان استعمال المخزون الاستراتيجي سيبقى محصورا على مدى تموز (يوليو) فقط، فهذا سيعني ان الاسعار ستنخفض خلال هذا الشهر، ومن ثم ستعود وترتفع ثانية مع بداية فصل الخريف ومن ثم فصل الشتاء. اي ان قرار الوكالة قصير الامد ولا ينفع على المدى الطويل. وهذا بالفعل ما ذكره الاسبوع الماضي الامين العام لمنظمة «اوبك»، عبد الله البدري، قائلا: «ارجو وقف تنفيذ هذا القرار حالا. فنحن لا نجد سببا وجيها لاطلاق هذه الكمية من النفط الخام من المخزون الاستراتيجي، واتمنى ان تتوقف وكالة الطاقة الدولية عن هذا التصرف.» واضاف في مؤتمر صحافي: «من الممكن ان ترتفع الاسعار في الشهور الاخيرة من السنة، على رغم استعمال المخزون التجاري هذا الشهر. ما يثير الدهشة في قرار وكالة الطاقة، هو الكمية الضخمة من النفط الاضافي الذي ستضخه في الاسواق. ويشير معظم البيانات المتوفرة، الى ان انتاج دول «اوبك» الاجمالي في الشهر الجاري، سيرتفع الى 30.2 مليون برميل يوميا، آخذة في الاعتبار ان الزيادة المتوقعة من السعودية والكويت والامارات تقدر بنحو 1.2 مليون برميل يوميا. من المحتمل جداً والمتوقع، ان يحدث قرار الوكالة، وقبله الخلاف في اجتماع المجلس الوزاري الاخير للمنظمة، شرخاً كبيراً في المنظمة، قد يطول. وهذا امر ذو دلالات كثيرة وكبيرة قد تؤدي الى انهاء فترة التناغم والتعاون ما بين الاقطار المنتجة خلال العقد الماضي، كما قد يؤدي الى انتقال عدوى خلافات الشرق الاوسط الى داخل «أوبك»، ويؤثر على قراراتها النفطية. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية