حماس: أشلاء الأسيرة الإسرائيلية اختلطت بين الأنقاض    ملك البحرين يهنئ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد بذكرى يوم التأسيس    سعود بن خالد الفيصل يعزّي الحارثي في فقيدهم    في محاضرة عن المبادئ الراسخة لتأسيس الدولة السعودية بأدبي جازان    الشؤون الإسلامية في جازان تنهي تجهيزات الجوامع والمساجد استعدادًا لاستقبال شهر رمضان المبارك    خادم الحرمين يتلقى تهنئة القيادة القطرية بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    الذهب يتجه لتحقيق ثامن مكاسب أسبوعية وسط مخاوف الرسوم الجمركية    قادة الخليج والأردن ومصر يتوافدون لعاصمة القرار العربي    يوم التأسيس.. مجدٌ يتجدد ووطنٌ يزهو بتاريخه    الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون يكرّم الفرق الفائزة بمعسكر الابتكار الإعلامي في المنتدى السعودي للإعلام    اقتصاد المناطق الحل للتنوع الاقتصادي    رياح نشطة وأتربة على عدة مناطق وأمطار خفيفة شمال المملكة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    برعاية خادم الحرمين .. انطلاق النسخة السادسة من بطولة كأس السعودية 2025 لسباقات الخيل    وزير الدولة للشؤون الخارجية يشارك في حفل افتتاح مؤتمر رؤساء حكومات مجموعة الكاريبية (كاريكوم)    زيارة "فريق الوعي الصحي التطوعي" التابع لجمعية واعي جازان لمؤسسة دار رعاية الفتيات    قرارات ترمب المتطرفة تفاقم العزلة الدولية وتشعل التهديدات الداخلية    «محادثات الدرعية» تذيب خلافات القطبين    الذكاء الاصطناعي.. هل يتفوق على تقارير الجراحين الطبية؟    "السهلي"تهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة يوم التأسيس    نائب أمير مكة يدشّن الهوية الجديدة لموسم جدة    امسك حرامي «المكالمات الفائتة فخ» .. احذر    هل رجحت كفة «المُترجَم» بالعربي؟    محمد الشقاء يوثّق سيرته الصحفية مع أستاذه «الوعيل»    «الغالي ثمنه فيه»    كبار علماء الأمة يثمنون رعاية خادم الحرمين لمؤتمر بناء الجسور بين المذاهب    احتمالية الإصابة بالسرطان قد تتحدد قبل الولادة    مُرهق عاطفياً؟ هذه الطرق تساعدك على وقف استنزاف مشاعرك    5 عادات تبدو غير ضارة.. لكنها تدمر صحتك    الديوان الملكي: وفاة الأميرة العنود بنت محمد بن عبدالعزيز آل سعود    ثلاثة قرون .. السعودية شامخة    فريقا جامعتي الملك سعود والإمام عبدالرحمن يتأهلان لنهائي دوري الجامعات    مبادرة كنوز السعودية بوزارة الإعلام تطلق فيلم "ليلة الصفراء" احتفاءً بمناسبة يوم التأسيس    القوات البرية والجيش الأميركي يختتمان مناورات «الصداقة 2025» بالمنطقة الشمالية    علاقة وثيقة بين المواطنين والقادة    عم إبراهيم علوي في ذمة الله    شخصيات اجتماعية ل«الرياض»: يوم التأسيس ذكرى تجسد الوحدة وتُلهم الأجيال لصنع المستقبل    الحركان: أساس راسخ ونظرة ثاقبة وتاريخ عريق    الهرمونات البديلة علاج توقف تبويض للإناث    الصداع العنقودي أشد إيلاما    «شعبنتوا» ولا لسه ؟    درس في العقلانية الواقعية    تعليم جازان يحتفي بيوم التأسيس تحت شعار يوم بدينا    جولة يوم التأسيس : الرائد يتغلّب على الرياض بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    مستشار الأمن القومي الأميركي : ترمب مُحبط من زيلنسكي    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة    محافظ الطائف يهني النقيب الشمري    فيصل بن فرحان يبحث العلاقات الثنائية مع وزير خارجية المملكة المتحدة    بلدية محافظة الشماسية تستعد للاحتفال بيوم التأسيس    أكثر من 5 ملايين مُصلٍ في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    القبض على إثيوبي في جازان لتهريبه (17) كجم "حشيش"    أكثر من 4 آلاف مبادرة لكفاءة الإنفاق في الجهات الحكومية    هيئة تقويم التعليم والتدريب تعتمد 62 برنامجًا أكاديميًا    نائب أمير الرياض يرعى الحفل السنوي لجمعية كيان للأيتام    «الشؤون الإسلامية»: البرنامج يستهدف 61 دولة    وضعت تصورًا شاملًا ومتعدد المراحل للتعافي المبكر.. مصر تدعو المجتمع الدولي لدعم خطة إعمار غزة دون تهجير    الطائف تودع الزمزمي أقدم تاجر لأدوات الخياطة    مستقبل السعودية.. جذور متأصلة ورؤية متمكنة    









الاستعصاء السوري: البيضة أولاً أم الدجاجة؟
نشر في الحياة يوم 28 - 06 - 2011

الاستقرار قبل الإصلاح أم الإصلاح قبل الاستقرار، هي أحجية مؤلمة تفرض نفسها اليوم في حوارات السوريين، فأهل الحكم يحذرون من استمرار التظاهرات والاحتجاجات التي تبطل برأيهم الإصلاحات السياسية أو على الأقل تعيقها وتبطئها، وتشغل الناس وتعطل الأعمال والاقتصاد وتشجع أطرافاً خارجية على التدخل في الشأن الداخلي، ويطالبون تالياً بفسحة من الهدوء والاستقرار لإنجاح ما اتخذ من قرارات وخطوات إصلاحية، بينما يجد المحتجون والمعارضون على العكس، أن الانتظار والركون للوعود والمناشدات أو للضغوط الخارجية حتى في أوج شدتها لم تسفر عن أي تغيير، وأن التحركات الشعبية هي التي خلقت الجديد السوري ووضعت النخبة الحاكمة أمام خيار الإصلاح السياسي المنسي والمؤجل دائماً، بل ويذهبون إلى أبعد من ذلك، إلى اعتبار التراجع عن هذا الفعل الضاغط يشجع النظام على مزيد من المماطلة والتسويف وعلى الإيغال في استخدام القمع والعنف كي يعيد الأمور إلى سابق عهدها، إلى سنوات الخوف والركود!.
وراء الأكمة ما وراءها، يقول المشككون بصدقية أهل الحكم وبأسباب دفاعهم عن أولوية الاستقرار، فثمة نيات لا تخفى على أحد، أهمها تسويغ الحل الأمني لكسر إرادة المتظاهرين عبر تحميلهم المسؤولية على ما يحصل والتشكيك بدوافعهم الإصلاحية طالما لم يذعنوا للرغبة في الانتظار والخضوع لقواعد اللعبة القديمة والتوقف عن الاحتجاج وإرساء الهدوء لقاء الوعود بتحقيق مطالبهم، فضلاً عن توظيف ما يشاع عن متآمرين ومسلحين مندسين بين المتظاهرين، لتغطية القمع الشديد وتخفيف حدة ردود الأفعال السياسية والإعلامية ضد ما يجري من انتهاكات لحقوق الإنسان، وفي الطريق الرهان على شق صفوف المتظاهرين والمعارضين، بين من يميلون إلى منح النظام مهلة زمنية ومناخاً مستقراً لاختبار صدقه في تنفيذ تعهداته، وبين من يعتبرون الأمر مجرد مناورة لإجهاض الحراك المدني والسياسي وتدمير تطلعاته نحو الحرية والكرامة، مؤمنين باستمرار التحركات الشعبية حتى تحقيق غايتها في التغيير، خصوصاً أن من بينهم من نفضوا أياديهم من دور السلطة الإصلاحي بعد مراوحة في المكان دامت سنين، وبعد أن نكثت بوعودها تجاه مطالب كانت أقل بكثير مما يطالبون به الآن، ولديهم من التاريخ القريب محطات كثيرة في حالتي الاسترخاء والاستنفار، تثبت ما يذهبون إليه، وأن سياسة السلطة استمرت على منوال واحد، هو الإهمال المتعمد للإصلاحات السياسية وعدم إعارة الانتباه لحقوق الناس وحرياتها ولتوسيع هوامش النشاط المدني والسياسي.
وإذا كان من المفهوم أن ترتبك رؤية البعض جراء وضوح ردود فعل المجتمع الدولي وتزايد الضغوط والعزلة واحتمال تطور الدور الخارجي إلى ما لا يحمد، وتتردد مواقفهم بين الاستمرار في الحمية ذاتها دفاعاً عن التغيير الديموقراطي أو التريث وأخذ المعطيات الجديدة بعين الاعتبار! وإذا كان من المفسر أن تحكم البعض الآخر مشاعر متناقضة بين الخوف والأمل، خوفاً من نتائج الفوضى والحرب الأهلية واحتمال تفكك الدولة وضياع وحدة الوطن السوري، والأمل بأن تكسر هذه الاحتجاجات السلمية تردد السلطة وإحجامها المزمن عن الإصلاح السياسي وتدفعها لتقديم تنازلات لا تزال ترفض تقديمها لتصحيح علاقتها مع الدولة والمجتمع، فان من غير المفهوم أو المفسر أن يتناسى هؤلاء ما حل بالوعود الكثيرة عن الإصلاح وثمار التغيير الهزيلة التي نجمت عن سنوات طويلة من الراحة والاسترخاء والانفتاح على العالم قبل سنوات العزلة والحصار التي عشناها وبعدها، وشهدنا خلالها مزيداً من تردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية لقطاعات واسعة من الناس ومزيداً من إشاعة الفساد والتمييز، ومن حضور القبضة القمعية ودرجة استئثارها بالثروة وأنشطة الحياة السياسية والاقتصادية.
التجارب التاريخية أكدت مراراً أن مناخ الحريات واحترام حقوق الإنسان هو القادر على ضمان أفضل الشروط الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية، والمنطق يشير إلى أن ثمة تناسباً طردياً في المجتمعات التعددية بين ضرورة الانفتاح السياسي وأسباب الأمن والاستقرار، وأن من الطبيعي، في ظروف الأزمات والنهوض الشعبي، أن يتوقع المرء مبادرات سياسية عميقة حتى عند الأنظمة التسلطية، لإزالة أسباب التوتر والاحتقان والعمل الجدي على احترام مطالب الناس وحقوقهم، لكن يبدو أن الاستعصاء السوري لا يزال يسير، وللأسف، عكس التجربة وضد المنطق، ولا يزال أهل الحكم يرفضون أصلاً الاعتراف بوجود أزمة عامة، ويحيلون كل ما يجري إلى مفهوم المؤامرة، وإلى مشكلات جزئية يمكن معالجة كل منها على حدة، مثلما يراهنون، بحجة أولوية الاستقرار والحوار، على ربح الوقت وعلى سياسة المماطلة والتسويف ومنح الحل الأمني والعسكري فرصة تلو الأخرى عسى أن يتمكن من حسم الصراع وتجديد إخضاع المجتمع وإحكام السيطرة عليه.
وفي هذا الإهاب إذ يتضح إصرار القوى والفعاليات المعارضة على أولوية الحل السياسي وأسبقية السير بخطوات التغيير الديموقراطي على ما عداها، فلعل السبب يكمن في أنها جربت ما يكفي من سبل أخرى وعادت بخفي حنين، وربما لأنها تجد هذه الطريق أقل تكلفة وآلاماً على الجميع، وربما بسبب يقينها بأن مجتمع الأحرار هو الأقدر على ضمان الأمن والاستقرار ومواجهة مختلف التحديات، ولاعتقادها بأن استمرار الاحتجاجات الشعبية ودورها الضاغط هو الذي يسرع تنفيذ مطالبها المشروعة.
ويبقى الأهم إنه في حال افترضنا جدلاً أن ثمة موجبات مقنعة لوقف التظاهرات موقتاً، ومنح النظام فرصة لتنفيذ تعهداته، لكن في خصوصية الحراك الشعبي السوري، وعلى رغم أنه نهض من معاناة واحدة، ثمة تباينات وافتراقات في مواقف الأطراف التي تستطيع التأثير على قرارات المتظاهرين والمحتجين يصعب توحيدها حول هذا المطلب، هذا ناهيكم عن ارتفاع سقف شعارات اليوم، والتي يبدو معها الحديث عن أحجية الإصلاح والاستقرار أشبه بلعبة أطفال، أمام الدعوات لتنحية النظام القائم وتغيير الواقع بصورة شاملة.
ونسأل أخيراً، ألا يساهم البدء بخطوات إصلاحية جريئة تتلاقى مع مطالب الناس في إعادة بناء بعض الثقة المفقودة وتالياً تخفيف حدة احتقان الشارع وإزاحة أهم الأسباب التي تدفع المتضررين الى الاحتجاج والتظاهر، ثم ألا يخفف ذلك في الوقت نفسه من قوة الذرائع والحجج التي تستند إليها بعض الدول الإقليمية والعالمية للتدخل في الشأن السوري؟! ونسأل أيضاً، إذا كان المتظاهرون قلة قليلة كما يشيع الإعلام الرسمي وينفذون أجندة خارجية تخريبية معادية للإصلاح السياسي، وهو الضروري والحيوي باعتراف الجميع، فلماذا تحرم الأكثرية الشعبية المؤيدة للسلطة من نعمه وثماره؟! ألا تكشف هذه المفارقة بأن ثمة من يضع نفسه، عند رفضه أولوية التغيير السياسي، في حقل الاتهامات ذاتها التي يدين على أساسها حراك المحتجين والمتظاهرين؟!
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.