ماذا لو أن مزرعة الحيوانات تلونت بكل هذه الألوان المبهرة؟ ماذا لو تخلينا عن كل الكلمات القبيحة التي نستخدمها في حياتنا؟ وماذا لو انتشرت الأزهار في كل مكان وربما لو تحولت إلى أشجار كبيرة تظللنا؟ ماذا لو تعايش التحرر والتطرف؟ افتراضات كثيرة وأمنيات يحولها الإيطالي قارم قارت إلى صوَر كثيرة ملونة، يزدحم بها معرضه المقام حالياً في قاعة «مشربية» في القاهرة، والمستمر حتى 7 تموز (يوليو) المقبل، تحت عنوان «ماذا لو؟». على كل صورة تعليق يفترض واقعاً مختلفاً. واقع يتحقق في العمل الفني، من طريق الإضافة والحذف. يقتلع الأشياء القبيحة من مكانها، ويضع بدلاً منها ما يراه مناسباً لهذا العالم. هو يصنع عالماً خاصاً به، قد نراه عالماً سعيداً نتمنى العيش فيه، وقد لا نرحب أبداً به فلا نرضى بغير عالمنا بديلاً. لكن المحاولة، على كل حال، تبقى افتراضية ولو أنها تطمح إلى «تغيير العالم» بيدي قارت، وعلى مساحات صغيرة من الورق لا يبتغي من ورائها سوى دعوة الناس إلى المشاهدة والتأمل. قارم قارت هو اسم الفنان الإيطالي في صيغته العربية التي اختارها لنفسه، وهو يصر على نطقه وكتابته بالقاف إذ يرى في ذلك «شيئاً من الفخامة». يتحدث قارت العربية بطلاقة لا تخلو من لكنة محببة. درس العربية في مدينة نابولي، وجاء إلى مصر في نهاية التسعينات ليكمل دراسته لها، فاستهوته الإقامة في القاهرة فبقي فيها، وعمل في تدريس اللغة الإيطالية للأجانب المقيمين في مصر. وتعدّ الكتابة إحدى اهتمامات قارت، إذ نشرت له مجموعة قصص قصيرة، وقام بدوره بترجمة عدد من الكتب العربية والإيطالية، كما أن له محاولات في مجال الإخراج المسرحي. أما حكايته مع الصورة، فبدأت بتعاونه مع المصور الإيطالي ديرنو ريتشي، في معرض مشترك أقاماه في القاهرة العام 2007. ومنذئذ، لم تنته علاقته بالصورة الفوتوغرافية، ولم ينته ولعه باللعب معها وفيها وعليها. ذلك الولع الذي لا يعرف بالضبط متى ينتهي، فهو دائم التنقل بين وسائل الإبداع المختلفة بحثاً عن الطريقة الأمثل للتعبير. يقدم قارت في معرضه صوراً تعامل معها بالحذف والإضافة، ومن بينها صورة الرئيس السابق حسني مبارك التي تناولها بأكثر من طريقة. فتارة يرسمه على هيئة مهرج، وتارة أخرى على شكل شيطان أو حتى قرصان. لذلك، قوبلت أعماله بردود أفعال متباينة. فبينما رحب بها البعض، معتبراً إياها مشاركة وتحية منه للثورة المصرية، رأى البعض الآخر أنه ليس من حقه كأجنبي أن يتناول «شأناً داخلياً» بهذا الشكل الصارخ. غير أن قارت لا يرى مانعاً في هذا، إذ يعتبر أن إقامته الطويلة في القاهرة تعطيه شيئاً من المشروعية، فهو حين يفعل ذلك، لا يفعله «كأجنبي يطل على المشهد من بعيد»، كما يقول، «بل كفنان يشعر أن مصر هي وطنه الثاني بالفعل». ويقول قارت: «كانت لدي فكرة وحاولت أن أحققها في هذا المعرض، فأنا أوجّه النقد إلى كثير من المظاهر السلبية في حياة الناس، ليس في مصر وحدها، بل في كل مكان. وأرى أننا كبشر، وفي ظل ما يشهده العالم من انحلال، علينا أن نتوقف لحظة ونلاحظ ما يدور حولنا. فهناك حروب وقتل وسرقات وفقر وجهل وأجهزة إعلام تسيء استخدام سلطتها. ثمة عواقب لتكنولوجيا لا يمكن السيطرة عليها، وجرائم ترتكب في حق البيئة». ويتابع: «لذلك سألت نفسي: ماذا لو بدأنا نتحرك باتجاه التغيير؟ ماذا لو أعطينا أنفسنا فرصة، لو أوقفنا الإيقاع وبدأنا التفكير والتصرف بشكل مختلف لكي نبني عالماً أفضل؟ كان الرئيس المخلوع أحد تفاصيل المشهد الإنساني كما أراه وأشعر به. هناك من يكرهه، وهناك من يتعاطف معه. ثمة من يراه كشيطان، وثمة من يراه مهرجاً أو بلياتشو. هي صور مرسومة فعلاً في أذهان الناس، أنا فقط عبّرت عنها بطريقتي». ويقول قارت: «حاولت أن أكوّن عالماً آخر في لوحاتي، عالم تحيا فيه أزهاري وتجلب الألوان الجمال من جديد، يختلط الماضي بالمستقبل ويصبح الضحك هو الهواء الذي نتنفسه. لقد بدأت العمل على هذه الفكرة قبل ثورة 25 يناير، وبعد الثورة تمكنت من العمل بشكل حقيقي بمساعدة ما حملته الثورة من رموز. ثم استدعيت القصة الرمزية «مزرعة الحيوانات»، للكاتب جورج أورويل، والتي تحكي عن مجموعة من الحيوانات تثور ضد صاحب المزرعة». هكذا، عمل قارت على الصور مستخدماً خامات مختلفة، مثل «المسحوق البرّاق» والورق والقماش. وفي بعض الأحيان قصّ صوراً ولصقها على ورق خاص يعكس صورة المتفرج كي يتسنى لمن يشاهد اللوحة أن يصبح جزءاً منها.