لقد اختار لبنان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التيار العروبي المنتمي إلى نسيجه الاجتماعي وإلى محيطه العربي، ولقد فشل من كان يراهن على أن لبنان من المناضلين العرب وغيرهم أن ذلك الشعب العربي هو من سيستمر يدفع الثمن لشعارات ثورية يتذكرونها في أواخر لياليهم، أما في صباحاتهم فإنهم ينشغلون في دنياهم وهذا حق مشروع لهم، ولكن المهم أن لبنان قد اختار عدم النضال والجهاد باسمهم، لقد اختار لبنان الحياة وترك الجهاد والنضال لهم، فنحن مع لبنان وشعبه بجميع فئاته ليستقر ويزدهر كمركز إشعاع حضاري مؤثر في شرقنا. يثير الانتباه أن من يناصر حزب الله وحلفاءه في مجتمعاتنا العربية أنهم من التيارات المعارضة للظلم والاضطهاد وتؤمن بالانفتاح والتحديث بأشكاله المتعددة، ولكنها في المسألة اللبنانية تصطف وتقف مع تيار ديني هي تعارض مثيله في داخل دولة، إضافة إلى أن النمط الحياتي لذلك الحزب يختلف عن حياتهم وسلوكهم، وقد أزعم أن مثل تلك الأحزاب لو قدر لها أن تصل إلى السلطة والحكم لكان من قراراتها الأولية هو القضاء على تلك المجموعات غير الدينية بمفهومها السياسي، كما حدث في إيران عندما قضت الثورة الدينية على تيارات سياسية متفتحة قدمت من التضحيات ما قد يساوي أو يفوق ما قدمه التيار الديني السياسي في إيران، إن ما نشاهده الآن هو السيناريو نفسه، فالتيارات الظلامية في منطقتنا تعادي الحياة ذاتها، فمن الأشياء العجيبة أن نجد من يقف معها من أصحاب توجهات تحديثية في عالمنا العربي، وقد يكون من أسباب هذا الاصطفاف العجيب أن كلاً من هذه التيارات يستغل الآخر في هذه المرحلة وفي النهاية في حال وصوله إلى السلطة فإنه يجد المبررات للقضاء على الآخرين وإقصائهم ليس من السلطة بل من جميع مناشط الحياة، وقد تكون تجربة بعض الأحزاب القومية سباقة في هذا الاتجاه كما حدث في تجربة حزب البعث في العراق عندما قضى على الآلاف من الوطنيين الشيوعيين في مذابح لا يزال يتذكرها الكثيرون من أبناء العراق والشعب العربي. إن من يصطف مع تيار حزب الله في لبنان، سواء في الداخل اللبناني أو في الدول العربية، هم بقية مناضلين لا يوجد لديهم الاستعداد للتضحية في سبيل ما ينادي به حزب الله، ولكنهم يعتقدون أن ما يقوم به حزب الله يصب في مصلحتهم في النهاية، وعند النصر سيفرضون شروطهم، ولكن تلك أحلام غير واقعية، فمن يعمل ويضحي هو من سيسيطر في النهاية كما حدث في إيران وفي ثورات أخرى، خصوصاً منطقتنا، فمبدأ الإقصاء والتفرد بالسلطة هو ديدن المنتصر في أغلب الأحيان، وقد يصل المنتصر في بعض الأحيان أن يفرض نمط حياته على جميع فئات المجتمع التي قد تختلف معه ثقافياً وسياسياً وحتى مذهبياً. وعودة إلى لبنان ونتائج انتخاباته الواقعية التي رجحت التوجه العقلاني في سياسته والخط الذي سيسلكه في السنوات الأربع المقبلة الذي سيكون خطاً وطنياً لبنانياً يراعي المصلحة العامة للشعب اللبناني بجميع مكوناته، ولكنه لن يشن الحروب بالوكالة لدول أخرى سواء كانت عربية أو إقليمية، فنحن نؤمن أن المواطن اللبناني هو من يجب أن يأتي في أولويات الحكومة المقبلة، أما القضاء على الأعداء في الشرق والغرب فهذه ليست من مهام الدولة اللبنانية، أما الذين يوجد لديهم قضايا ومعاناة مع دولهم ومجتمعاتهم فمن الواضح أن لبنان لم يعد الساحة والفضاء الذي يهربون منه من مواجهة أوضاعهم في دولهم. [email protected]