تخلو ألمانيا من أي مظاهر لإحياء الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولي (1914-1918) التي هزمت فيها شر هزيمة، بخلاف سائر الدول الأوروبية المجاورة، لكنها بدأت تستعيد شيئاً شيئاً ذاكرة ما جرى في تلك الحرب الكونية المدمرة. فقد دشنت المستشارة انغيلا مركل الأسبوع الماضي معرضاً في متحف التاريخ الألماني في برلين حول الحرب العالمية الأولى التي طغت عليها في ذاكرة الألمان الحرب العالمية الثانية ونتائجها الكارثية. وقالت مركل في ندوة جمعتها مع شباب أوروبيين نظمها المتحف: «في عائلتي كانت الأحاديث تتركز على الحرب الثانية أكثر بكثير من الأولى». وأضافت: «إن ذكرى الحرب العالمية الأولى حاضرة في ذاكرة الفرنسيين والبريطانيين أكثر بكثير من الألمان الذين ظل شبح الحرب العالمية الثانية وجرائم النازيين فيها طاغياً على ذاكرتهم». لكن غياب المظاهر الاحتفالية الرسمية التي تحيي ذكرى الحرب الأولى لم يحجب فضول الألمان المستجد للتعرف إلى ما جرى في تلك الحقبة الرهيبة من عمر البشرية في القرن العشرين. وقال ناطق باسم اتحاد دور النشر الألمانية: «أصدرت الغالبية الساحقة من دور النشر في الخريف كتباً عن الحرب الأولى، وتحدثت وسائل الإعلام عن اهتمام شعبي كبير بهذه الكتب». ومن الدلائل على إقبال الألمان على هذا الموضوع المبيعات الكبيرة التي حققها الكتاب المثير للجدل «صيف عام 1914: كيف سارت أوروبا نحو الحرب» للكاتب والمؤرخ الأسترالي الأصل كريستوفر كلارك الأستاذ في جامعة كامبريدج البريطانية. وقال ميك بوهن المسؤول في دار النشر الألمانية «دي في أي»: «بعنا من هذا الكتاب 200 ألف نسخة حتى الآن، ونحن في صدد إصدار الطبعة الثانية عشرة». ويضم الكتاب 900 صفحة، ومن الذين قرأوه المستشارة الألمانية، وهو يحتل موقعاً متقدماً في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً منذ أكثر من ثلاثين أسبوعاً. ويرجع خبراء ونقاد سبب هذا الرواج الكبير إلى الطرح الذي يقدمه الكتاب والذي يعتبر أن ألمانيا والامبراطورية النمسوية المجرية لم تكونا مسؤولتين وحدهما عن اندلاع الحرب، بل إن المسؤولية تتقاسمها كل الدول الأوروبية التي انخرطت فيها. وتخلو ألمانيا من أي شواهد أو نصب تؤرخ للحرب العالمية الأولى التي تعرف في ألمانيا باسم «الكارثة الأصلية». ويقول كروميك إن «الضحايا ماتوا فعلاً، فلم يذكرهم أحد».