خدموا ثلاثتهم في كتيبة بلادهم في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان في التسعينات. وأجمعوا على ان تجربتهم اللبنانية كانت الأجمل والأغرب في الوقت ذاته. لقد تقاعد يان ويليام ستين وأتلي بولسون وترين دراغنس من الجيش النروجي، الذي يفرض خدمة عسكرية إلزامية لسنة واحدة، ويختار من يتطوع فيه البلد الذي يذهب إليه للخدمة في الكتائب النروجية المشاركة في قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام. جاء ستين إلى لبنان بين عامي 1994 و1995 حيث خدم في «قوات الأممالمتحدة الموقتة في جنوب لبنان» (يونيفيل). يقول: «كانت السنتان اللتان أمضيتهما هناك من أجمل سنوات حياتي. عملت في دورية اجتماعية كانت تنفذ زيارات من شخصين للعائلات في القرى الجنوبية، انطلاقاً من مقر الكتيبة في قرية إبل السقي. كنا نركز على العائلات الفقيرة ونرى كيف نستطيع ان نساعدها، بالتنسيق مع المخاتير (زعماء قرويون منتخبون)». ويروي ستين، وهو كزميليه يعمل اليوم في الجمعية النروجية لقدامى العسكريين، بعضاً من تجاربه الغريبة. يقول لي أمام زميليه في مقهى على الطراز الأوروبي الغربي في قلب أوسلو: «عبرت الحدود اللبنانية – السورية مرة من دون تصريح. حصل ذلك عند شبعا اللبنانية. وتابعت رحلتي في حافلات وسيارات توقفت لي عبر سورية إلى الأردن، حيث زرت مكاناً كنت أحلم ان أزوره دائماً، وهو البتراء». ويضيف: «لقد احترم الجميع البذلة التي كنت أرتديها». ويتذكر مواطناً من إبل السقي كان يُلقّب بديسكو جورج، نسي ستين اسمه الحقيقي، فتح متجراً خاصاً بالكتيبة النروجية، يبيع فيه مأكولات ومنتجات من النروج يستوردها خصيصاً من المملكة الإسكندينافية. يقول ستين الذي لا يزال على اتصال بأصدقاء تعرف إليهم في لبنان: «كان شخصية مميزة، ويُقال إنه اختفى بعد خروج القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني عام 2000». لكن أغرب ما صادفه كان سيارات تحمل لوحات تسجيل نروجية كان يراها خلال زياراته أثناء الإجازة إلى العاصمة بيروت. «قال لي أصدقاء إنها مسروقة من النروج»، يقول: «سهل ان تسرق سيارة في النروج، فالبيوت متباعدة، وحين يكتشف صاحب السيارة ضياعها، تكون صارت في مركب في وسط البحر». ويروي ستين حصول نوع من الاتفاق الضمني بين الكتيبة النروجية وسكان القرى. يقول: «كنا نسأل خلال دورياتنا السكان ان كانوا يخفون أسلحة، فيجيبون بالنفي. لكن في كل عرس، كان الرصاص يلعلع. فنعاود طرح السؤال عليهم، وتكون الإجابة إنها ألعاب نارية... ويغمزنا الشخص المعني». أما بولسون، الذي يعمل اليوم في أمن المحطة المركزية للحافلات الكهربائية في أوسلو، إلى جانب عمله في جمعية القدامى، فيحمل ذكريات مؤلمة. لقد كان في لبنان بين عامي 1994 و1996، فشهد الحرب الإسرائيلية المسماة «عناقيد الغضب» عام 1996 وكان في مركز «يونيفيل» في بلدة قانا، حيث قضى 108 أشخاص في قصف إسرائيلي على الموقع الذي لجأ إليه مدنيون. يقول وعلامات التأثر بادية على وجهه وفي حركات يديه: «كنت في مجموعة طبية مخصصة لمساعدة المرضى من اللاجئين. سقطت القذائف وحصلت المجزرة خلال 20 ثانية. كنت الوحيد الذي يحمل هاتفاً خليوياً، فطلبت النجدة. لقد استغرقت عملية انتشال الجثث أربعاً إلى خمس ساعات. ولا أنسى مشهد صبي عمره ثماني سنوات كان غائباً عن الوعي فظنناه ميتاً. ثم تفحص أحدهم نبضه ونقله إلى سيارة إسعاف». ويروي بولسون كيف كان ينتقل مع مجموعة من قوات حفظ السلام خلال الحرب إلى بيروت لجلب مؤن. يقول: «كانت البحرية الإسرائيلية تلاحقنا من البحر وتقصف من حول موكبنا من دون ان تصيبنا. كانوا يريدون دب الذعر في قلوبنا، وكثيراً ما نجحوا في ذلك. وأذكر مرة أنهم طاردونا بمقاتلات من طراز إف – 16». ويؤكد أنه سيزور قانا في ذكرى المجزرة في 18 نيسان (أبريل) المقبل تلبية لوعد قطعه لأصدقاء لبنانيين. أما دراغنس فكانت تدير متجراً في إبل السقي مخصصاً للجنود إذ كانت بضائعه معفاة من الضرائب. لقد خدمت في لبنان لستة أشهر عام 1993 ثم بين عامي 1995 و1996. تقول دراغنس، التي تعمل في شركة لأدوات البناء إلى جانب عملها في جمعية القدامى: «عام 1993، كنت من بين الأوائل في قوات حفظ السلام الذين زرنا بيروت» بعد ثلاث سنوات على انتهاء الحرب الأهلية. «كانت المدينة تنهض من جديد وكان المشهد مذهلاً لنا». يحاول الثلاثة استخدام كلمات باللغة العربية المحكية في لبنان في روايتهم لذكرياتهم، فينجحون أحياناً كثيرة. وقد اعتادوا أموراً كثيرة من تجربتهم في لبنان بدت بداية غريبة عن ثقافتهم. لقد غفروا لي، مثلاً، وصولي وزميلة صحافية متأخرين 45 دقيقة بعدما ضللنا طريقنا وقد هطل المطر بغزارة. تقول دراغنس: «لا تقلقا. حسبنا أنفسنا في لبنان».