على رغم تراجع مساحة الحياة المدنية والثقافية في غالبية المدن العراقية، إلا أن محاولات فردية لمثقفين وشخصيات أكاديمية ما انفكت تشكل خطوات مهمة لاستعادة ملامح مدنية وثقافية غادرها العراق او يكاد. وعبر مبادرة أنضجتها اتصالات بين النحات العراقي المغترب في بريطانيا، عبدالرحيم الوكيل، وعدد من مثقفي مدينته الحلّة (مركز محافظة بابل)، قرر الوكيل التبرع بأعماله النحتية، ما أتاح إقامة متحف في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل، وهي فكرة كانت راودت عميدها الفنان والأكاديمي فاخر محمد. وتبرع الوكيل بأكثر من سبعين قطعة نحتية بالرخام والحجر والبرونز، بعضها بارتفاع يزيد على المتر، وهي نتاج عمل امتد نحو أربعة عقود، فضلاً عن منحوتاته الشخصية. وتبرع الوكيل أيضاً ببعض مقتنياته الشخصية، من أعمال فنانين عراقيين آخرين مثل جواد سليم، محمد علي شاكر، علاء حسين بشير وغيرهم. يقول الناقد ورئيس تحرير مجلة «تشكيل»، صلاح عباس، عن مبادرة الوكيل أنها «مدهشة وسابقة غير معهودة في تاريخ الفن العراقي المعاصر، منذ عبدالقادر رسام ولغاية الآن». ويضيف عباس، الذي تابع الاتصالات مع الوكيل، أن الأعمال المُتبرّع بها «ثروة هائلة لا تقدر بثمن، إذ عرض أحد مقتني الأعمال الفنية العراقية، على الفنان عبدالرحيم الوكيل، مبلغ أربعين ألف جنيه استرليني، مقابل أربعة أعمال متوسطة الحجم، فكيف بأكثر من سبعين قطعة نحتية كبيرة الحجم تعود إلى حقبات فنية ريادية؟». هكذا، يقدّر عباس القيمة الإجمالية لمنحوتات الوكيل، مع مقتنياته الشخصية، بما يزيد على مليون دولار أميركي، «وبلا مبالغة». وكان عباس أمّن الاتصال بين الوكيل وعميد كلية الفنون الجميلة في بابل فاخر محمد الذي أبدى سعادته باللفتة الكريمة وبأن تلك المجموعة من الأعمال ستولّف متحفاً فنياً معاصراً وناضجاً بين جنبات الكلية، وهو ما تحقق لاحقاً حين حضر عبدالرحيم الوكيل من لندن، متحاملاً على آثار إصابته بجلطة دماغية، ليزور كلية الفنون. ويقول العميد فاخر إن «الكلية لن تقيم معرضاً نوعياً لائقاً بهذه المجموعة وحسب، بل ستتبنى مشروع طباعة كتاب أنيق، وبمواصفات عصرية، وسيشهد حفل افتتاح المعرض حفلة لتوقيع الفنان على الكتاب». والمتحف، الذي جالت «الحياة» في قاعاته المتداخلة، ليس أقل أهمية في مساحته ومعروضاته من متاحف فنية في مؤسسات عريقة. وفضلاً عن أعمال الوكيل، وعدد من الرسامين والنحاتين العراقيين من أجيال مختلفة، يضم المتحف أعمالاً لأساتذة كلية الفنون ما يشكل مشهداً بانورامياً في التشكيل العراقي المعاصر. ولد الوكيل في الحلة عام 1936، ونال الدبلوم في «معهد الفنون الجميلة» ببغداد عام 1959. ثم درس النحت والتصميم في كلية تشيلسي بلندن، ودرس طرق صب البرونز في المدرسة المركزية للفنون الجميلة في لندن أيضاً، قبل أن يعود الى بلاده ليشغل منصب رئيس قسم النحت والصب في مديرية الآثار العامة، ويتولى مسؤولية الأعمال الفنية والعرض والصيانة للآثار، كما درّس النحت وترأس قسم الفنون التشكيلية في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، وحصل على ماجستير فنون من جامعة بنسلفانيا الأميركية.