ميثم المخرج السينمائي بطل رواية «أورال - شفهيات» للكاتب والمخرج المسرحي العراقي حازم كمال الدين الصادرة حديثاً باللغة الهولندية كان حظه اقل من حظوظ المؤلف. تحت حكم صدام حسين تعرض فيلمه لمقص الرقيب وأجبر على تحويل فيلمه الذي أراد له أن يكون فيلماً نقدياً جريئاً إلى فيلم يتغنى بالديكتاتور. لكن بعد سقوط نظام صدام أصبح هذا الفنان غير التقليدي المنحدر من زواج مختلط (أب شيعي وأم سنية ) معادياً لكل أشكال التعصّب الذي أتى به الحكام الجدد، وبهذا يتعرض من دون حق إلى الاتهام بأنه سلفي ويتم اختطافه فيتضح أن جلادّي الحكومة الجديدة ليسوا سوى الجلادين القدامى. يتعرض ميثم للتعذيب المستمر بلا رحمة لأجل انتزاع اعتراف منه أنه إرهابي ومرتبط بجهات خارجة على القانون وهو في الحقيقة لا يعرف أي شيء عن هذا ما يؤدي في النهاية إلى موته عبر لسعة عقرب. الحكاية لا تتوقف عند هذا الحد لأن الكاتب يريدنا أن نعرف ماذا جرى أثناء الحرب الطائفية التي تفجرت عام 2006، ينبغي أن تدفن جثة ميثم في مقبرة سنية وليس في بابل أو النجف بين قبور ضحايا الحرب. هنا تتمزق جثته إلى جزءين، رمزي وآخر مادي. دفن الجزء الرمزي منه في النجف والجزء المادي دفن في بغداد، في مدينة الأعظميّة حيث قضى معظم حياته. هذه القصة الخاصة بالتعذيب والموت والدفن لذلك السينمائي المنشق المشظى من كل الوجوه هي جزء من بورترييه الكاتب المحاط بقصص شرقية وأساطير عائلية تذكر بسحرية غابريل غارسيا ماركيز رغم أننا نتحدث عن الشرق الأوسط حيث التقاليد الثقافية في بابل وبغداد وهما قلب الحدث. في هذا السياق تشير الاستعارة الميثولوجية إلى كل القوى التي تسلطت في العقود الأخيرة على الشعب العراقي بدءاً من جلادي نظام صدام حسين وحتى الظلاميين والأميركان كما تشير إلى خطر «المتاهة التي تسمى العولمة» التي وضعها الكاتب في مقدمة روايته حيث يقول «تنتهي المعركة لمصلحة الشّبث إذا انقضم ذيل العقرب وإلاّ فمصير الشبث الخسارة والرحيل إلى شقّ في الجحيم». العنوان « شفهيات « يحيل إلى التقاليد الشفهية الخاصة ببلدان» ألف ليلة وليلة»، حكايات كثيرة تتطور وتتحول عبر السنين إلى أشكال أخرى ولا احد يعرف كيف قيلت أو حكيت تلك الحكايات لأول مرة أو ما هو شكلها البدائي. وفي « شفاهيات « كذلك تظهر حكايات كثيرة تلعب الدور المركزي فيها حياة ميثم البوذباح السينمائي الموهوب الذي مات بسرعة نتيجة التعذيب الذي يخضع له في أواخر أيامه. تقدم «شفهيات» بفكاهة وشعرية أحداثاً متخيلة وحقيقية في أجواء من الهلوسة حيث الجنون والتعذيب هما الحقيقة الوحيدة التي من خلالها يمكن استيعاب الواقع. اللغة المحملة بالرموز بعمق تترجم لنا المعاناة والحزن وفقدان الثقة بكل شيء. إنها متاهة مرهفة في خيالها وواقعها يمكن أن تتلمس وتتذوق الأشياء فيها لأنها تتحدث عن شعب منزوع الجذور، والمؤلف يرسم لنا صورة للعراق أيام نظام صدام حسين وصورة العراق اليوم، قسوة نظام صدام تطفو طوال الوقت على سطح الرواية. كان على الجميع أن يطيع النظام كما يعرف القاصي والداني ذاك الذي أحالهم بواسطة القمع إلى طابور بزي موحد. عند مجيء الأميركان تحرّر العراقيون من تلك الممارسات غير أن الأميركان تركوا الشعب العراقي يواجه مصيراً ممزقاً ومقسّماً. الحكاية تتناول كيفية تفكيك الشعب العراقي (كما تفكك سيارة معطلة) وكيف يمكن أن تكون الأعراف الثقافية ووجهات النظر الحضارية وسيلة لتشريع الدمار لكن بروح تزخر بالكوميديا حيث يرسم حازم كمال الدين صورة لإبداع الشعب العراقي في استنباط طرق تتملص بها مما يجري.