بينما الدنيا تغوص في صمت مطبق؛ إلا من أصوات بعض القطط والكلاب الضالة، يذهب كل ليلة قبل أذان الفجر ليفتح مذياع الجامع الكبير، فيملأ فضاء القرية بصوت القرآن من خلال الميكروفونات المثبتة حول المئذنة؛ ثم يعلن حلول وقت الصلاة بصوت عذب. يصلي ركعتين ويبتهل إلى الله كي يرزقه ولداً بعد أن أنجب ثلاث بنات، ثم يقوم ليؤم المصلين. الشيخ أحمد يقوم بهذه الأفعال المتواصلة من يوم أن رُزق بالبنت الأولى؛ أسماء، ولكنه ألقى حموله على الله الوهّاب بعد البنتين الثانية والثالثة، من دون أن يفقد الأمل. وأخيراً جاء الولد كالبدر في تمامه، وسماه والده «سيد»، ولكن زوجته أشاعت أنها رزقت ببنتٍ رابعة خوفاً من الحسد؛ بعد جدال حاد مع زوجها. البنات كتمن السرّ أيضاً، وصار سيد يلبس مثلهن ووضعت أمه في أذنيه فردتي حلَق وبعدما بات شعره طويلاً لم تقصه، وعندما بلغ الخامسة من عمره لوحظ أنه يمشي مثل الفتيات ويتصرف كأنه بنت. أحسّ الشيخ أحمد بمرور الوقت بأن ابنه اندمج تماماً في زي النساء لدرجة أنه يصعب التكهن بأنه ذكر، وزملاء اللعب من الصبيان كانوا يضربونه ولا يدافع عن نفسه ويقسون عليه ولا يحرك ساكناً، وكان أبوه يصيح فيه:- استرجل يا ابن أمك. وكانت الزوجة تحاول التخفيف عن زوجها بقولها:- دول عيال يا شيخ. بدأت المشكلة تكبر كنبتة ليس هناك ما يمنعها من النمو، عندما التحق الولد بالمدرسة، بدأ الأطفال يعرفون أن «سيدة» هي في الواقع «سيد». ومع ذلك لم يتوقف الجميع عن معاملته على أنه بنت وينادونه ب «سيدة». يكبر سيد وتزداد قسوة والده عليه ولكنه أبى أن يخضع لفكرة أنه أصبح شاباً وليس شابة. هنا بدأ الشك يتسرب إلى عقول الجيران، وفي يوم استوقفه أحدهم وسلت ملابسه وتأكد أن سيد لديه ما لدى الأولاد. عاد سيد بعدها إلى أمه وسرد عليها ما مرّ به، وعلا صوته بالسباب للحارة والجيران، أما والده فقد استغرقه شعور بالخجل ولم ينطق بكلمة. بعد قليل أزاح زوجته إلى داخل المنزل وهو يصيح:- قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.