في مطلع هذه السنة ماتت أحلام سارة بيلين في الرئاسة الأميركية ودفنت، إلا أننا عشنا وعاشت لترى أحلامها تنتعش بما يشبه السحر، وهي في قائمة المتنافسين الجمهوريين على الترشيح عن الحزب للرئاسة في المركز الثاني وراء مِيتْ رومني وتتقدم على تيم باولنتي ونيوت غينغريتش وميشيل باكمان ورون بول وجون هنتسمان. رسمياً، بيلين لم تحزم أمرها بعد إلا أنها تتصرف كمرشح كل يوم، وهي بدأت أخيراً رحلة في باص انطلقت من واشنطن لتزور مناطق في شرق البلاد وتنتهي في ولاية نيوهامبشير وهذه ولاية مهمة لأنها ستشهد أول تصويت بين المتنافسين للترشيح على الرئاسة في 14/ 2 من السنة المقبلة. انطلاق الرحلة تزامن مع مهرجان تقليدي بالدراجات النارية في واشنطن للمحاربين القدامى، وقد انضمت بيلين وأسرتها إلى المهرجان في ثلاث دراجات، إلا أن المنظمين اعترضوا على وجودها لأنه قد يفهم على انهم يؤيدونها للرئاسة، ومنعوها من إلقاء خطاب. هذه غلطة بالمقارنة مع كارثة بداية السنة عندما وقعت مجزرة اريزونا التي قتل فيها ستة أشخاص وجرح 12 آخرون، وأصيبت عضو الكونغرس غابرييلا غيفورد في رأسها وكادت تموت، وتبين أن بيلين سبق أن هاجمتها وجعلتها في صورة هدفاً للرماية ما جعل غيفورد تحتج وتقول لها إن مثل هذا العمل سيؤدي إلى مضاعفات. بيلين عادت أخيراً إلى اريزونا واشترت بيتاً كبيراً، ما جعل مراقبين كثيرين يرجحون أنها ستخوض معركة المنافسة على الترشيح، فأريزونا قاعدة أقرب للعمل السياسي من ألاسكا. هل تنتصر بيلين على المرشحين الآخرين وبعضهم أوسع خبرة منها بكثير وأذكى وأقل عرضة لارتكاب الأخطاء؟ شخصياً، لا أعتقد ذلك فالانتخابات بعد سنة ونصف سنة تقريباً، وبيلين سترتكب أخطاء وخطايا فاضحة قبل أن يعقد الحزب الجمهوري مؤتمره بين 3 و 7 / 9 / 2012 ليختار مرشحه للرئاسة. ثم إن أركان الحزب لا يحبونها ولا يؤيدونها، ويعتبرونها عنصراً خلافياً داخل الحزب، وهي هاجمتهم. غير أنها تبقى مشهورة و 92 في المئة من الأميركيين يعرفون اسمها، وسيصدر عنها هذا الشهر فيلم يحكي عملها حاكمة لولاية ألاسكا. مع ذلك الذين يعرفونها يقولون إنها مغرورة لا يهمها غير أمر نفسها، ومدير سابق لحملتها الانتخابية زعم أن النظارات التي تستعملها للزينة، أو لتبدو مثقفة، لأنها أجرت عملية ليزر وأصلحت خطأ في بصرها. ربما لاحظ القارئ أن قائمة المتنافسين الجمهوريين على الترشيح للرئاسة التي اخترتها في البداية ضمت امرأة أخرى هي ميشيل باكمان، عضو الكونغرس عن ولاية منيسوتا. واستطلاعات الرأي العام تقول إن 58 في المئة من الأميركيين سمعوا باسمها. بيلين جربت حظها لمنصب نائب الرئيس، وأرجح إذا استمرت أن تسعى لمنصب الرئيس السنة المقبلة، غير أن باكمان قد تقبل أن تكون مرشحة لمنصب نائب الرئيس، وقد قرأت اسمها مقترناً مع جون هنتسمان كمرشح للرئاسة، وأيضاً مع النائب اليميني بول ريان. ماذا يجمع بين بيلين وباكمان؟ كلتاهما يمينية ومن حزب الشاي، إلا أن هذا معروف، وقد وجدت وأنا أراجع عملهما السياسي في السنوات الأخيرة أن القاسم المشترك الآخر بينهما هو ارتكاب الأخطاء مرة بعد مرة. والقارئ لا بد تابع أخطاء بيلين أثناء ترشيحها لمنصب نائب الرئيس، وعندي كتابان يجمعان بعض أخطائها المضحكة، وأستطيع أن أقول اليوم إنها لم تتعلم شيئاً من الخطأ، فقد قرأت قبل أيام نصاً لبرنامج اسمه «التدقيق في الحقائق» تصوره «واشنطن بوست» بعد أن لفتني عنوانه الذي قال إن بيلين تكذب أكثر من بينوكيو، والبرنامج سجل لها بضعة وعشرين تصريحاً كان اكثرها كاذباً تماماً وأقلها نصف صحيح. باكمان تنافس بيلين في الخطأ. مع أنها في الأصل محامية ضرائب، وهي عندما علقت على خطاب اوباما عن حالة الاتحاد نظرت في الكاميرا الخطأ وكانت ترمش بعينيها كعادتها. ووجدت أن موقع بوليتيفاكت (حقائق سياسية) يحصي لها تصريحات خاطئة تزيد على ما ترتكب بيلين، وهي تراوح بين الكذب الكامل، أو نسب من الحقيقة. ومرة امتدحت بلدة لدورها الكبير في التاريخ الأميركي وهي في بلدة أخرى تحمل الاسم نفسه. اعتقد أن هاتين الآنستين لا تكذبان عمداً، وإنما تخطئان، والرئاسة الأميركية تحتاج إلى كذاب محترف، وقد قرأت خلال مراجعتي مادة زاويتي في الأيام الثلاثة الأخيرة رأياً يقول إن السياسي يخطئ عندما يقول الحقيقة. [email protected]