بدأت ثمار الحرب على الفساد تنضج باكراً وتبدد ظنون المشككين والمترددين في نتائجها، وبعهد جديد اختار منازلة العدو الداخلي الذي أبطأ السير نحو مناطحة الأحلام الكبيرة. كانت النية معقودة منذ عهد الملك عبدالله، الذي أرسى دعائم هيئة مكافحة الفساد، لكن طول الأمد أرخى عزائم المؤسسة، وحالت الأبواب الموصدة دون بلوغ الهدف ونيل المراد البعيد، قبل أن يضخ في جسد المؤسسة روح جديدة ودفق هائل، بتولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، وهمس في أذن رجاله أن السعودية لن تبقى في محيط الدول العشرين، ما لم تواجه معركتها الفاصلة مع الفساد. مدة سنتين بقي فريق عمل مختص يعمل بدأب لحصاد سنوات طويلة من مؤسسة الفساد، التي تنمو على طرف البلاد في حين غرّة، قبل أن تجتث ليلة السبت التي سيطر فيه على بؤر الرشاوى والتنفع التي كانت منصة للمشاريع غير النزيهة. وعلى رغم نزف الحملات الشعواء، التي عمدت إلى تسطيح النيات السعودية لمواجهة الفساد والتقليل من صدقيتها، لقيت الحملة دعماً كبيراً وتأييداً شاملاً وواسعاً من المجتمع السعودي بشرائحه كافة، الذي رأى فيها بصيص نور لفجر جديد ومرحلة مختلفة لبلد يمضي إلى مستقبله ويرفع عنه أغلال الماضي وقيود شرور الفساد المستطير. ولرفع وتيرة المواجهة، بعد أن أصبح مشهد الظلام في عهدة المتعهدين باجتثاثه، أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز أمراً ملكياً، يقضي بمعاقبة من يعتدون على المال العام. وجاء في الأمر الملكي الصادر: «نظراً لما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس، الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية، مستغلين نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه. متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة، ساعدهم في ذلك تقصير البعض ممن عملوا في الأجهزة المعنية وحالوا دون قيامها بمهامها على الوجه الأكمل لكشف هؤلاء، مما حال دون اطلاع ولاة الأمر على حقيقة هذه الجرائم والأفعال المشينة». لم تبطئ نتائج الحملة، إذ أصدرت منظمة الشفافية الدولية الأربعاء الماضي مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2017، الذي صنف المملكة العربية السعودية في المرتبة ال57 عالمياً، من أصل 180 دولة. وأكدت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) أن المملكة تسعى إلى الاستمرار في تعزيز مكانتها، على الصعيدين الإقليمي والدولي، في المجالات كافة، ومنها مكافحة الفساد، إذ تتعاون مع الدول والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحماية النزاهة، ومكافحة الفساد، وتعزيز مبدأ الشفافية. يذكر أن «نزاهة»، بالتعاون مع الجهات المعنية تعمل على تحقيق الأهداف الواردة في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ومنها توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، وإبراز جهود المملكة في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد وتعزيز مبدأ الشفافية. فيما سلطت وكالة «بلومبرغ» الأميركية الضوء على «المكاسب الهائلة» التي حققتها السعودية، من خلال التسويات التي تمَّت مع الموقوفين في فندق «ريتز كارلتون» الرياض، في إطار حملة مكافحة الفساد، مشيرة إلى أنَّ هذه التسويات التي تقدَّر بأكثر من 100 بليون دولار ستنعش الاقتصاد. وأفرج النائب العام عن حوالى 90 موقوفًا حتى الآن، بعد التوصل إلى صفقات تسوية مع الحكومة، ويتبقى أقل من 100، بينهم خمسة يدرسون التسويات المقترحة. وذكرت أنَّ الموقوفين الذين لم يتم التوصل معهم إلى تسويات سيحالون إلى «النيابة العامة»، مشيرةً إلى أن النائب العام سعود المعجب قال: «إنَّ الأمر الملكي كان واضحاً، ومن يوافق على تسوية فلن يتم اتخاذ إجراءات جنائية ضده». ولفتت إلى ما قاله مسؤول كبير في المملكة إنَّ «الفساد كان متفشيًا بدرجة كبيرة، وبدا الأمر كما لو أن أمة استيقظت، وأدركت أن هناك أخباراً جيدة وسيئة، وكانت الأخبار السيئة أنها مصابة بالسرطان، والخبر السار أن هذا السرطان قابل للعلاج، ولكن لا بدَّ من إجراء جراحة وعلاج كيمائي وإشعاع وبتر».