بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.. الإخوة الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ العزيز، زميل السلاح ورفيق الدرب، الفريق الأول الركن صالح بن علي المحيا. لك مني كل تحية، وكل تقدير. تحية لك، فقد أديّت الواجب، وحملت الأمانة، وأفنيت عمراً في شرف الخدمة العسكرية السعودية. وتقدير كامل لك، فما شحّ عطاؤك، ولا ادخرت فيه وسعاً. الإخوة الأعزاء.. علاقتي بالفريق الأول صالح المحيا، تمتد إلى أكثر من أربعة عقود. علاقة توثقت بمشاعر الأخوة والثقة وزمالة السلاح وجهد الاستعداد العسكري وبهجة النصر، في حربين ومواقف صعبة، فرضت على المملكة. جمعتنا أولى الذكريات، مطلع العام 1969، في إلباسو تحديداً، إذ كان لقائي الأول مع ضابط سعودي شاب هو صالح المحيا، على نحو ما رويت في كتابي «مقاتل من الصحراء». وقد ذكرت أنه هو من وضع اللبنة الأولى في مشروع مَدَافع «أورليكون» القصيرة المدى عيار 35 مم، التي تشتبك مع أهداف تحلق على ارتفاعات منخفضة. وتوالت الذكريات في المجال العسكري، وتتابعت حتى العام 1990، وعندما اجتاحت قوات صدام حسين دولة الكويت الشقيقة، كان اللواء الركن المحيا آنذاك قائداً للمنطقة الشرقية، وأحد أهم قائدين في الميدان، وقد أثلج صدري حقاً أن يعمل معي في مسرح العمليات خلال تلك الفترة العصيبة. وقد بدأ استعدادنا لحرب تحرير الكويت منذ اليوم الذي استمعت فيه إلى تقرير قدّمه في مركز العمليات في مدينة الملك فهد العسكرية. استعدادات قادت إلى التحرير والنصر بفضل من الله عز وجل، أما عن ذكريات معركة الخفجي التي كانت بحق تحوّلاً تاريخياً في مسار العمليات الحربية، وعن انتقالنا إلى مركز القيادة المتقدم الشمالي في أم الهيمان في الثامن والعشرين من فبراير1991، والمفارقات التي حدثت، فهو أفضل من يرويها. وعادت الذكريات تتواصل بيننا منذ بداية العام 2001، وحتى تاريخ تقاعده، لم أجد منه إلا كل إخلاص ومثابرةٍ وتفانٍ وشعورٍ بالمسؤولية، فكان خير ختام لذكريات زمالة السلاح دامت اثنين وأربعين عاماً. الفريق الأول المحيا تاريخ عسكري مشرف، فمن قائد جناح الإشارة في مدرسة المدفعية عام 1382هجرية، إلى رئيس هيئة الأركان العامة، أعلى منصب عسكري في قواتنا المسلحة عام 1417هجرية، شغل مناصب عديدة، تعليمية وإدارية وقيادية، وحاز ثقة سيدي صاحب السمو الملكي، ولي العهد وزير الدفاع والطيران المفتش العام، وكان خير مساعد لسموه طيلة عقدين من الزمان. فله الحق أن يفخر بهذا التاريخ، ولقواتنا المسلحة أن تفخر بأحد أبنائها البررة، قائد ترك بصماته في كل موقعٍ عمل فيه. لا شك أن لحظات التقاعد العسكري – خلافاً للمدني – تعد من أصعب الفترات التي تمر على الإنسان، حين يطوي سجل حياته العسكرية، ويترك سلاحاً ما غادره سنين طوالاً، ويخلع لباساً طالما ازدان به عمراً، ويتوارى عن ميدان ما برح يردد صدى خطاه، ولكنها طبيعة الحياة العسكرية، بل سنة الحياة قاطبة، فلا دوام للمناصب والألقاب ولا بقاء أبدي على الكراسي، فكلها لا تدوم، إنها سنة الكون، فلا بقاء لغير وجه الله، ولا خلود إلا لملكوته. إننا لم نجتمع اليوم تكريماً لتقاعده فقط، بل تداعينا لنحتفل معه بختام حياة عسكرية حافلة أثراها بجهده وعلمه وخبرته. نحتفل بإنجازاته الواضحة في جميع المجالات العسكرية. جئنا لتهنئته بحياة جديدة مشرقة، أكثر هدوءاً وأكثر استقراراً. جئنا لندعو له بالصحة الكاملة والسعادة الوافرة. جئنا لنقول للأخ والصديق والزميل، الفريق الأول الركن صالح المحيا: لك منا جزيل الشكر، وعميق التقدير. والله يوفقكم. والسلام عليكم ورحمة الله.