قد تبدو السجون عالماً غامضاً للكثيرين، ولكن الصورة النمطية عن سجون المباحث تحديداً أكثر غموضاً، ف«الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود»، لكن سجناء المباحث العامة في محافظة جدة بددوا هذه الصورة، فهم أصبحوا «صحافيين»، يحررون مجلة تنتشر خارج قضبان السجن، ويقرأها الناس، ويكتبون فيها ما يشاءون حول تجربتهم. واختار السجناء اسم «بداية» لمجلتهم الشهرية التي تصدر عن برنامج «إدارة الوقت»، الذي يُعنى في أحوال النزلاء، وأصدروا منها أربعة أعداد، وللمرة الأولى توزع نسخها خارج أسوار السجن، وذلك في جناح رئاسة «أمن الدولة» في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية 32)، ويحرر جميع موادها الصحافية نزلاء مبدعون وفنانون تشكيليون تولوا إخراجها الفني. واختار السجناء الاسم من منطلق الإحساس والرغبة أن تكون بداية جديدة في حياتهم، وأن يكون الاعتدال هو المنهج الذي تسير عليه المجلة من خلال مواضيعها، التي يتناولون فيها ما يخص أحوال النزلاء وطموحاتهم وتطلعاتهم وهمومهم، إضافة إلى مخاطبة الفعاليات الثقافية والفنية لخلق صلة وصل بينهم وبين المجتمع خارج السجن، ليتاح للنزلاء صقل مواهبهم وإبداعاتهم. وتضمنت الأعداد ملفات حول الإصلاحيات من زوايا مختلفة، وحوارات مع السجناء عكست نشاطاتهم الثقافية والرياضية، والإشارة إلى الاحتفالات التي أقاموها داخل السجن. وفي العدد الأول من المجلة شكر النزلاء إدارة السجن على هذه المبادرة فهي «تفتح آفاقاً أرحب»، وتسخر إدارة السجن جميع الإمكانات كي يبدعوا ويفرغوا طاقتهم ويبرزوا مواهبهم. ويعتبر برنامج «إدارة الوقت»، «نقلة نوعية» لأنماط سجون المباحث لما يقدمه من برامج تسعى إلى تغيير المفاهيم والأفكار غير الصحيحة لدى البعض، وهدفها أن يكون السجن «إصلاح وتهذيب وإعادة تأهيل». وحظي جناح أمن الدولة بإقبال كبير من زوار الجنادرية الذين اطلعوا على الجناح الذي استعرضت فيه «أمن الدولة» دورها أمام الزوار. ويتضمن الركن الخاص ب«أمن الدولة» تعريفاً في قطاعاتها الأمنية، مثل: إدارة المتفجرات، وأمن المطارات، والإدارة العامة لسجون المباحث، ومركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، والعمليات الميدانية، والمباحث الإدارية، وكلية نايف للأمن الوطني، والإدارة العامة للأمن الفكري، والقيادة العامة لطيران الأمن، وقوات الطوارئ الخاصة. واستعرض الجناح لوحات تبرز القضايا الأمنية، وصوراً لشهداء الواجب الذين استشهدوا خلال أدائهم مهمات أمنية ضد الإرهاب والفئة الضالة، واستعرض أمام الزوار إحصاء حول ما ضبط في حوزة التنظيمات الإرهابية من متفجرات، التي بلغ إجماليها 47 طناً من الخلائط المتفجرة، و240 حزاماً ناسفاً، و450 قنبلةً يدويةً، و374 قذيفة RPG، و3 صواريخ SAM7، جميعها تناوبت على حيازتها كل من التنظيمات الإرهابية التي عرّفت نفسها ب(حزب الله الحجاز، وحزب الله الكويتي، والقاعدة، وداعش). ويستعرض الجناح عدد العمليات الإرهابية المحبطة من العام 1979 وحتى 2017 البالغ عددها 233 عملية، بينما نفذت التنظيمات الإرهابية داخل المملكة 841 عملية إرهابية، فيما استهدفت هذه التنظيمات مصالح المملكة في الخارج بواقع 22 عملية، شملت الهيئات الدبلوماسية والاقتصادية، في حين بلغت ضحايا هذه العمليات 3007 ضحايا، واستشهد من الأمن 333 رجلاً، وقتل من الإرهابيين 695، وأصيب 346. وسلط الجناح الضوء على إحدى خلايا التجسس المقبوض عليها في 2013 البالغ عددها 32 شخصاً، 30 منهم ممن يحملون الجنسية السعودية، إضافة إلى إيراني وأفغاني. وكشف ركن مركز محمد بن نايف للمناصحة عدد من استفاد من خدمات المركز الذي وصل إلى 3002، وتجاوزت نسب نجاح جهود المناصحة 85.8 في المئة. إلى ذلك، استعرضت قوات الأمن الخاصة المشاركة ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية 32)، فرضيات حية تحاكي جهود القوات الخاصة في مكافحة الإرهاب، شملت الاقتحام والمطاردة وتفتيش الحقائب وغيرها من المهمات التي يواجهها رجال القوات الخاصة. ويتعرّف الزائر خلال تجوله في المعرض المعد لهذه الفرضيات الحية على الصعاب والمخاطر التي يواجهها الجنود، وما يقدمونه من تضحيات دفاعاً عن الدين والوطن. ويقدّم المشرف على الركن الرقيب ناصر بن خيرالله للزوار شرحاً عن كيفية تفتيش الحقائب والكشف على المتفجرات الحية والممنوعات بمختلف أنواعها، وطرق استخدام الكلاب البوليسية في اكتشاف المخدرات، وأنواع الدورات التدريبية التي تتلقاها للبحث عن المفقودين في الكوارث الطبيعية، وغيرها من المهمات.