توقعت مصادر ديبلوماسية أن تحسم الجولة المقبلة من المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء التي تبدأ في الخامس من حزيران (يونيو) في مانهاست الأميركية، في أكثر القضايا العالقة، وفي مقدمها الاتفاق على صيغة لمشاركة صحراويين، من غير الوفود الرسمية، في جولات المفاوضات المقبلة، إضافة إلى طرح صيغة موازية للمفاوضات غير التقليدية. وذكرت المصادر أن الموفد الدولي إلى نزاع الصحراء كريستوفر روس اقترح في المفاوضات السابقة بدائل جديدة تعزز مسار بناء الثقة وتسريع العودة إلى المفاوضات المباشرة الملزمة لإحراز تقدم يعوّل على إنجازه لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة. لكن الجولة المقبلة ستكون الأولى من نوعها منذ تصديق مجلس الأمن على قرار يدعو السلطات الجزائرية إلى التعاون والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتسهيل إحصاء سكان مخيمات تيندوف المتحدرين من أصول صحراوية، عدا دعوته إلى استئناف خطة تبادل الزيارات بين الأهالي (في المحافظات الصحراوية والعيون)، بهدف إيلاء الأبعاد الإنسانية في الملف عناية خاصة. وعلى رغم صدور نداءات عدة لبناء الثقة عبر تكثيف الزيارات الإنسانية عبر الحدود البرية، فإن التجربة تواصلت، كما في السابق، عبر رحلات جوية محدودة ترعاها مفوضية اللاجئين وبعثة «المينورسو» في المنطقة. وينظر مراقبون إلى الجولة المقبلة على أنها تأتي في سياق مختلف إلى حد ما، أقله أن العلاقات المتأزمة بين المغرب وجارته الجزائر اعتراها بعض الانفتاح، وإن لم يصل إلى درجة البدء في خطوات تطبيع أكبر. وتقول أوساط متفائلة إن في حال فتح الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر في مناسبة إجراء مباراة في كرة القدم تنظمها مراكش، لتأمين حضور أنصار الفريق الجزائري، فإن ذلك سيكون بمثابة مبادرة مشجعة. ومفاوضات الصحراء لها جانبان، أحدهما يطاول العلاقة بين المغرب والأمم المتحدة التي رأت في قرار الرباط إنشاء مجلس وطني لحقوق الإنسان تطوراً بارزاً لناحية تنقية سجلها في هذا المجال. أما الثاني فيهدف إلى ترتيب البيت الداخلي على إيقاع أجندة الإصلاحات التي ستتوج عبر إقرار دستور معدل بصلاحيات متقدمة جداً، وفق مقربين إلى مصادر الحوار الجاري حول مضمونه. غير أن اللافت، في غضون ذلك، أن الدستور الذي يبرمج تنظيم استفتاء لإقراره في الأسابيع المقبلة ينص على منح المحافظات، وضمنها الصحراوية، صلاحيات أوسع في تدبير شؤونها المحلية تحت لافتة «النظام الجهوي». ويعزز هذا التوجه الإصلاحي مسار خطة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب كإطار قانوني وسياسي لإنهاء نزاع الصحراء على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب». والظاهر، وفق مراقبين لمسار المفاوضات المتأرجحة بين الأمل واليأس، أن الرباط وجّهت رسالة بهذا المعنى مفادها أن لا بديل من الحكم الذاتي، أكان ذلك على صعيد الانخراط في مسلسل الإصلاحات المطلوبة إقليمياً ودولياً في مخاض التحولات العربية والمغاربية، أو على صعيد تكريس الاستقرار والأمن والسلام في منطقة الشمال الأفريقي، ما يطرح ضرورة تسريع مساعي الحل السياسي لنزاع الصحراء الذي أثّر سلباً في معادلات إقليمية عدة. إلى ذلك، شرعت الزعامات السياسية في المعارضة والموالاة في حوار مع السلطات حول أجندة الاستحقاقات التي تفرض نفسها بعد تعديل الدستور، وفي مقدمها إجراء الانتخابات الاشتراعية، كي تتأسس المؤسسات المنتخبة وروح الدستور المعدل. وأفادت مصادر حزبية أن حواراً شاملاً رعته وزارة الداخلية في حضور الوزير الطيب الشرقاوي، ركّز على أجندة الاستحقاقات المرتقبة، وتحديداً إقرار قوائم جديدة للناخبين تضم أسماء المسجلين الجدد، وكذلك البحث في القوانين المنظمة للاستشارات الانتخابية، بارتباط مع معاودة النظر في قانون الأحزاب. وتقول المصادر الحزبية إن قانون الأحزاب كان يحظر ظاهرة «الترحال» أي تغيير الانتساب الحزبي بعد حيازة ثقة الناخبين، لكنه لا ينص على إجراءات رادعة للحؤول دون اضطراب المشهد الحزبي، في إشارة إلى تغيير ملامح الخريطة الانتخابية من خلال التحاق بعض النواب بأحزاب من غير تلك التي ترشحوا نيابة عنها. والانفراج السياسي لم يكن غائباً عن الاجتماع، بخاصة في ضوء ارتفاع درجة الاحتقان، على خلفية منع السلطات تظاهرات «حركة 20 فبراير» (شباط) الشبابية، من منطلق عدم حيازتها تراخيص قانونية، وكذلك اللجوء إلى استخدام العنف من طرف قوات الأمن لتفريق تظاهرات احتجاجية في قطاع الصحة. وكانت حكومة رئيس الوزراء عباس الفاسي استبقت الغليان الشعبي بإقرار خطة لترفيع الأجور في حدها الأدنى والدخول في حوار مع المركزيات النقابية الأكثر تأثيراً، لكن ذلك لم يحل دون استمرار مظاهر التوتر الاجتماعي الذي سيكون له تأثيره في مسار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.