أكثر من 122 مليون قاصدٍ للحرمين الشريفين في شهر رمضان للعام 1446    أسعار النفط تتراجع وتتجه نحو أول خسارة فصلية منذ فصلين    الذهب يسجل رقمًا قياسيًا جديدًا بدعم من الطلب المتزايد والمخاوف الاقتصادية    نمو الناتج الصناعي لليابان بنسبة 2,5 % خلال الشهر الماضي    وسائل إعلام: ترامب يعتزم زيارة السعودية في منتصف مايو    ترامب: لا أمزح بشأن سعيي لفترة رئاسية ثالثة    أمطار رعدية مصحوبة بزخات من البرد على معظم مناطق المملكة    ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟    أمير منطقة تبوك يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    المعالم الأثرية بالأحساء تجذب الأهالي والمقيمين في عيد الفطر    بطابع الموروث والتقاليد.. أهالي حائل يحتفون بالعيد    فعالية تراثية في نجران احتفاء بعيد الفطر    فعاليات عيد الطائف تجذب 200 ألف زائر    المملكة ترحب بتشكيل الحكومة السورية    قائد الجيش السوداني: لا سلام مع «الدعم السريع» إلا بإلقاء السلاح    خالد بن سلمان يستقبل قادة وزارة الدفاع وكبار مسؤوليها    إطلالة على اليوم العالمي للمسرح    فيصل بن مشعل يرعى حفل أهالي القصيم بعيد الفطر المبارك    ولي العهد يؤدي صلاة العيد في المسجد الحرام.. ويبحث المستجدات مع سلام    خادم الحرمين: أدام الله على بلادنا أمنها واستقرارها وازدهارها    «سلمان للإغاثة» يوزّع 644 سلة غذائية في محلية بورتسودان بولاية البحر الأحمر في السودان    انقطاع الكهرباء عن مئات الألوف في شرق كندا بسبب عاصفة جليدية    رابطة الأندية المصرية تلغي عقوبة خصم 3 نقاط من الأهلي بعد انسحابه أمام الزمالك    إنجاز إيماني فريد    الأمانة والدواء البديل.. رأي أم مخالفة؟!    «الإذاعة والتلفزيون» تميزت في محتوى رمضان    جولة مسرحية لتعزيز الحراك الثقافي بالمملكة    ولي العهد يؤدي صلاة العيد في المسجد الحرام ويستقبل المهنئين    «سلمان للإغاثة» يوزّع 869 سلة غذائية في البقاع الأوسط وطرابلس    بنهاية شهر رمضان.. تبرعات إحسان تتجاوز 1.8 مليار ريال    نتج عنه وفاتها.. الأمن العام يباشر حادثة اعتداء مقيم على زوجته في مكة    سر تأخر إعلان الهلال عن تمديد عقد البليهي    عيد الدرب.. مبادرات للفرح وورود وزيارات للمرضىع    بين الجبال الشامخة.. أبطال الحد الجنوبي يعايدون المملكة    جوارديولا غاضب بسبب موسم مانشستر سيتي    أمير منطقة جازان ونائبه يستقبلان المهنئين بعيد الفطر    أمير منطقة جازان يعايد العامري والشيخ معافا    ولي العهد وسلام في صلاة العيد.. لقطة تعكس ثقة السعودية في القيادة اللبنانية    أكثر من 49 ألف مستفيد من الخدمات الطبية بجوار المسجد النبوي خلال شهر رمضان    خادم الحرمين: أهنئكم بعيد الفطر بعد صيام شهر رمضان وقيامه    توقعات بهطول أمطار غزيرة على 7 مناطق    كاميرات المراقبة تفضح اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية    ثنائية مبابي تهدي ريال مدريد الفوز على ليجانيس    ارتفاع حصيلة قتلى زلزال ميانمار إلى أكثر من 1000    العيد انطلاقة لا ختام    896.551 شحنة بريدية تم تسليمها يوميا برمضان    1320 حالة ضبط بالمنافذ الجمركية    أمير القصيم يشكر خادم الحرمين على تسمية مستشفى شمال بريدة مستشفى الملك سلمان    بلدية وادي الدواسر تُكمل استعداداتها لعيد الفطر بتجهيز الميادين والحدائق    ولي العهد يتلقى اتصالاً هاتفيًا من رئيس دولة الإمارات    ولي العهد يوجه بتوفير أراض مخططة ومطورة للمواطنين في الرياض    خلال أسبوع.. ضبط 25 ألف مخالف للأنظمة    وزارة الداخلية.. منظومة متكاملة لخدمة وسلامة وأمن ضيوف الرحمن    تجمع الرياض الصحي الأول يحقق أرقاماً قياسية في ختام حملة "صم بصحة"    أبشر بالفطور تختتم أعمالها بتغطية محافظات الشرقية و توزيع ٥٠ الف وجبة    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق حملة «عيدك يزهو بصحتك» بمناسبة عيد الفطر المبارك 1446ه    أكثر من 70 ألف مستفيد من برامج جمعية الدعوة بأجياد في رمضان    حليب الإبل إرث الأجداد وخيار الصائمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داخل الشقة وخارجها... داخل طهران وخارجها
نشر في الحياة يوم 27 - 05 - 2011

في سوق الفيلم العالمي في قصر مهرجان «كان»، لفت الأنظار هذه المرة اتساع الجناح الإيراني، على غير العادة... بل كاد هذا الجناح أن يكون الأكبر، لولا الجناح الإسباني الذي يعتبر عادة الأكثر فساحة. وفي الجناح الإيراني كثير من الناس... ليس من الزوار طبعاً، بل من أهل المكان. بعضهم يختلط بالزوار والبعض يقرأ أو يشرب الماء أو الشاي... فيما آخرون - هم الأكثرية - جالسون ينظرون حولهم باهتمام. طبعاً لن نعرف أبداً من منهم له علاقة بالسينما ومن منهم جيء به الى هنا يراقب الآخرين. لكننا نعرف أننا حين تقدمنا من سيدة في الجناح نسألها معلومات ومطبوعات حول الفيلمين الإيرانيين المعروضين ضمن تظاهرات المهرجان... نظرت الينا باستغراب طالبة أن نعيد لفظ اسمي الفيلمين. وحين فعلنا أجابت بعد تفكير ان لا علم لها بوجود هذين الفيلمين في المهرجان. طلبت منا ان نراجع صفحات الكاتالوغ السنوي الأنيق الذي يوزع على المهتمين منذ سنوات عدة. فعلنا فلم نجد ذكراً للفيلمين. ومع هذا، ورغم «جهل» هذه السيدة، يعرف الجميع ان الفيلمين صوّرا في طهران وأنهما موجودان في «كان» بالفعل. بل ان الإقبال على مشاهدتهما كان كبيراً. كما ان اسمي مخرجيهما كبيران أيضاً و «كان» احتفلت بالمخرجين معاً، وسط صخب سياسي، ثم - بالتأكيد - جمالي. ذلك أن فيلم «الى اللقاء» لمحمد رسولوف، وفيلم «هذا ليس فيلماً» لجعفر باناهي، فيلمان مميزان، ليس سياسياً فقط. كما انهما يتشاركان في قواسم مشتركة كثيرة، لا بد من القول ان أولها كون مخرجيهما يقيمان تحت الإقامة الجبرية في إيران وممنوعان من السفر (مع بعض التنويع الذي أعلن خلال المهرجان) ثم من تحقيق الأفلام. وربما لمدة ستصل الى عشرين عاماً. والواقع ان هذا المنع هو - وليس استعارة عنوان لوحة لماغريت - ما جعل باناهي يعنون فيلمه «هذا ليس فيلماً». لقد أراد بهذا العنوان، وبشكل يحمل من السخرية ما يحمل، ان «يخادع سلطات بلاده» مؤكداً لها انه يستجيب للمنع ويحقق شيئاً لا يجب اعتباره فيلماً.
عقاب
في المقابل، من الواضح ان رسولوف حقق فيلمه «الى اللقاء» سراً وأوصله الى «كان» سراً، ولسنا ندري - حتى الآن - ما هو رد فعل السلطات الإيرانية على هذه الهرطقة، هي التي قد تستظرف سخرية باناهي، لكنها بالتأكيد لن تستسيغ «خدعة» زميله. ولكن لماذا هذان الاثنان؟ ببساطة لأنهما تكلما... في بلد صار معظم سينمائييه ومبدعيه الآخرين إما في المنافي أو في السجون أو في الخوف، أو في الصمت. فمتى لو كان الصمت في حد ذاته موقفاً... تفضله السلطات على الكلام. وجريمة رسولوف وباناهي انهما لم يصمتا... وبخاصة عند وبعد اندلاع الثورة الخضراء في ايران. فكان ان عاتبتهما السلطات عقابات متنوعة. ولا شك في ان الفيلم الذي حققه كل منهما خلال فترة العقاب وانتظار المحاكمة، هو الرد على ذلك التعسف. ومع هذا ثمة بين «الى اللقاء» و «هذا ليس فيلماً» قواسم مشتركة أخرى... أهمها ما يجعلهما يخرجان عما هو سائد منذ سنوات عدة في السينما الإيرانية: غياب ممالأة النظام «الثوري الإسلامي». وغياب الوعظ الموارب عن طريق الأطفال... وغياب بقية العناصر التي سيطرت ولا تزال على بقية الأفلام التي ترضي النظام. فنحن هنا أمام سينما أخرى تماماً... سينما تبتكر مواضيعها بجرأة نادرة، كما تتفنن في ابتكار أشكالها، الى حد التجريب «المعادي للامتثال الثوري».
... بيان رئاسي
ونبدأ هنا من الأشهر، جعفر باناهي، فهذا المخرج الذي كان مساعداً لكيارستامي، وساعده هذا الأخير في كتابة سيناريوات أفلامه الأولى، قدم هذه المرة فيلماً «ظرفياً»، لكنه سيدخل تاريخ الفن السابع بالتأكيد. فالفيلم، الذي صوره وشارك في اخراجه زميل لباناهي هو مجتبى ميرطهماسب (الذي رافق عرض الفيلم في «كان») هو عبارة عن تحقيق حول يوم واحد من حياة باناهي المسجون في طهران داخل شقته لا يتصل بالعالم الخارجي إلا من خلال هاتفه ونوافذ بيته والتلفزة. خلال ذلك اليوم يتحدث باناهي أمام الكاميرا، تصبح مرآة ذات، يستعرض أمامها وضعه (في محادثات هاتفية) وفيلمه الذي لن يصوره كما يبدو. يقرأ صفحات من السيناريو، ويرسم أماكن أحداث الفيلم بالشريط اللاصق على الأرض، يتبادل الإشارات مع حيوان ايغوانا يربيه في شقته. يتابع محاكمته مع أصدقائه ومحاميته، يستذكر أفلامه القديمة. ويستبد به الفضول إذ تعلن التلفزة منع رئاسة الجمهورية اطلاق الأسهم النارية في عيد النار ذلك المساء «لأن ذلك يتنافى مع تعاليم الدين» بحسب البيان الرئاسي. عند نهاية الفيلم، وبعد أصوات اطلاق رصاص طوال بعد الظهر، أو اطلاق أسهم نارية متفرقة، تنفجر طهران كلها بأسهم الاحتفال النارية، قائلة لنا: هل ثمة حقاً من يبالي بالقرار الرئاسي... وذلك في تواز مع ما يقوله الفيلم نفسه:... وليس ثمة من يبالي بقرار منع المخرج من التصوير! في الفيلم، ومنذ يغادر المصور صديق باناهي الشقة، يمسك هذا الأخير بالكاميرا يصور فتى جمع القمامة من الطابق الأعلى الى حدود البناية التي يقيم فيها باناهي. هي حدود اقامته التي يلتزم بها كي لا يخرق القانون... ولكن من يمكن أن يجبره على عدم خرقه إذ يحقق هذا اللافيلم!
سن الرشد
شقة أخرى هي العالم الذي تتحرك فيه بطلة فيلم محمد رسولوف نورا (الرائعة ليلى زاره، الحاضرة في المهرجان خلال عرض الفيلم ثم في حفل الختام حين نال «الى اللقاء» عن جدارة جائزة التحكيم الخاصة في تظاهرة «نظرة ما»). لكن نورا ليست في الإقامة الجبرية، وكذلك زوجها الصحافي الذي إذ طورد من الشرطة التي تريد اعتقاله لمشاركته في تظاهرات الاحتجاج، اختفى تاركاً زوجته الحامل في شهرها الثالث، ضائعة مرعوبة، لا تتطلع إلا الى الخروج من إيران. ولأنها لا تجد سوى هذا الخروج انقاذاً لغدها - كما حال عدد كبير من الإيرانيين الذين حل اليأس لديهم محل الآمال الثورية الأولى -، تقرر بيع أثاث الشقة وشراء بطاقة السفر، و... التخلص من الجنين. والحقيقة ان هذا هو كل ما يحدث في هذا الفيلم الشديد الحميمية والقوة، والذي يكاد يقول عن ايران اليوم ما قد تعجز عشرات الأفلام والأقلام عن قوله. والأدهى من هذا انه فيلم عن المرأة. عن وحدة المرأة. وعن القمع الظاهر والخفي، الخارجي والداخلي، الجسدي والذهني. وهذا كله يقال - على عكس ما هي الحال في فيلم باناهي - من دون كلام تقريباً، ولكن في حركة دوخان تنقل نورا بين الشقة والشارع، بين الشقة والعيادة، غير واثقة مما سيحصل بعد كل الجهود التي تبذلها. والحقيقة ان الفيلم يتوقف دون أن يقول لنا ما الذي سيكون عليه مصير نورا، بعدما تركت الشقة، وراحت تقيم يوماً في فندق ريثما يحل موعد طائرتها. ففي الفندق يداهمها أمن الحرس الثوري... الذي إذ يفتح رجاله حقائبها ويجدون فيها من الممنوعات جهاز كومبيوتر... تتوقف الصورة فجأة.
كما قلنا، في هذين الفيلمين الصارخين سياسياً بشكل غير معهود في أية سينما إيرانية تحقق في الداخل... بدا واضحاً ان هذه السينما تدخل عوالم جديدة، وتمارس تجريبية، تقول انها دخلت سن الرشد، لأننا نعرف ان السينما هي، في مثل هذه الحالات، الفن الأكثر حساسية لحال المجتمع وتطوره، سنجازف هنا بالقول ان هذين العملين، خارج جديدهما الفني، وتركيب كل منهما المتناسق والأخاذ، ثمة اشارة فيهما أكيدة الى ان إيران، الإبداع والنضال، لن تكون بعد الآن، ما كانت عليه طوال ثلاثة عقود - مع استثناءات قليلة -.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.