ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    «خدعة» العملاء!    الخرائط الذهنية    جرائم بلا دماء !    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    لماذا فاز ترمب؟    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    علاقات حسن الجوار    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية: سيناريوات المرحلة المقبلة
نشر في الحياة يوم 26 - 05 - 2011

مع بدء الثورات العربية في تونس حيث نجحت في إسقاط زعيمين من أكثر الرؤساء العرب تسلطاً: زين العابدين بن علي في 23 يوماً ثم حسني مبارك في 18 يوماً، امتدت الثورات العربية لتشمل دولاً أخرى كليبيا، حيث تحولت إلى نزاع مسلح سقط فيه أكثر من عشرة آلاف قتيل، واليمن حيث يبدو أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عالق عند الحافة من دون أن يجد من يدفعه إلى السقوط، ثم سورية التي امتدت فيها التظاهرات إلى كل المحافظات تقريباً.
خلال هذه الثورات تبلور نموذجان للتحرير إذا صح التعبير:
* النموذج التونسي والمصري واليمني: وكان أكثر وضوحاً في الشكل المصري عبر احتلال الساحة الرئيسية في العاصمة (ساحة التحرير) ثم ازدياد أعداد المتظاهرين بشكل يومي حتى بلغ درجة دفعت الرئيس إلى التنحي. وفي كل هذه الحالات لعب الجيش دوراً محورياً في رفض الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين أولاً ثم في إجبار الرئيس على التنحي. ويعد هذا النموذج مثالياً لجهة الحد الأدنى من سقوط القتلى.
في هذا النموذج حافظت الثورة على سلميتها المطلقة من قبل المتظاهرين الذين حافظوا على انضباطهم والتزامهم باللاعنف كمبدأ رئيسي من أجل إنجاح الثورة، وهو ما أعطاهم التعاطف المعنوي الكبير من قبل أخوتهم من أبناء الوطن أولاً ثم التعاطف الجماهيري الواسع من قبل المجتمع الدولي، وزاد حجم الضغوط الدولية على الرئيس من أجل التنحي.
* أما النموذج الثاني فكان النموذج الليبي، ويتمثل في تحرير جزء من الأرض ثم التوجه أو الزحف نحو تحرير الأجزاء الباقية، وعلى رغم أن رغبة المحامين والقضاة الليبيين الذين اعتصموا أمام مبنى المحكمة في بنغازي كان الاعتصام السلمي على الطريقة المصرية، إلا أن إطلاق النار الحي والمباشر من قبل أجهزة الأمن الليبية من دون حتى استخدام الغاز المسيل للدموع أو الرصاص المطاطي مما أدى إلى سقوط أعداد ضخمة من المتظاهرين، حوّل وجهة الثورة الليبية وبسرعة من الخيار السلمي إلى خيار العمل المسلح. ومع انتهاج كتائب القذافي خيار الأرض المحروقة باستخدام الطائرات والمدفعية الثقيلة، لم يكن أمام الليبيين من خيار سوى الاستنجاد بالمجتمع الدولي من أجل التدخل لوقف آلة القتل الليبية وهو ما أدخل ليبيا الآن في مرحلة نزاع مسلح ربما يطول بعض الشيء قبل نجاحها في إسقاط القذافي ويفتح ليبيا أمام خيارات مجهولة.
لكن أي من النموذجين ينطبق على الانتفاضة السورية؟ في الحقيقة حافظت التظاهرات السورية على طابعها السلمي المطلق بالرغم من الأعداد الكبيرة للذين سقطوا بالرصاص الحي وبرصاص القناصة، ففي كل مرة حاول فيها المتظاهرون بدء الاعتصام في ساحة رئيسية كانوا يواجهون بالرصاص الحي الذي خلّف سقوط عشرات القتلى. حدث هذا في المسجد العمري في درعا وفي ساحة الصليبية في اللاذقية وفي دوما وحمص أيضاً. في كل مرة تتدخل الأجهزة الأمنية وتقوم بتفريق الاعتصام ليس بالغاز المسيل للدموع أو الرصاص المطاطي وإنما بالرصاص الحي الذي يستهدف رؤوس وصدور المتظاهرين بشكل مباشر، مما يفسر سقوط هذه الأعداد الكبيرة من القتلى في كل مرة يجري فيها فض الاعتصام. إذاً هل ستتجه الانتفاضة السورية باتجاه النموذج الليبي؟ وكيف ستتطور الأمور في سورية؟ أعتقد أن هناك ثلاثة سيناريوات محتملة:
1- تجاوز النظام السوري للأزمة: أي أن يتدخل النظام السوري لقمع التظاهرات وإنهاء الاحتجاجات السلمية بشكل نهائي، وهذا ربما يتم خلال عام أو حتى أقل، كما جرى في إيران بإنهاء «الثورة الخضراء» عام 2009 وفي بورما بإنهاء «ثورة الزعفران» في عام 2007. كلا النظامين التسلطيين الإيراني ذي الوجه الديني، والعسكري في بورما، نجحا في إنهاء التحركات الاحتجاجية عبر استخدام العنف الأعمى تجاه المتظاهرين واستنفاد طاقة كل القوى الأمنية والجيش والميليشيات المختلفة في إنهاء التظاهرات الشعبية. وهو ما يضعه النظام السوري اليوم كنموذج له، إذ يعتقد أن بإمكانه إنهاء التحركات الاحتجاجية عبر استخدام العنف الأقصى وإطلاق الرصاص الحي والمباشر على المتظاهرين واتباع تكتيك القنص مما يزرع الرعب لدى المتظاهرين ويخفف عددهم تدريجياً، وفي حالة المدن التي خرجت عن السيطرة مثل درعا وبانياس يتم إرسال الحرس الجمهوري مع قوات الفرقة الرابعة بكل معداتها العسكرية، وهي الأكثر ولاءً للنظام، من أجل احتلال المدينة بشكل كامل واعتقال كل شبانها عبر فتح مراكز للاعتقال الجماعي واتباع سياسة التعذيب مما يقضي على الحركة الاحتجاجية بشكل نهائي.
كما تم وضع الحواجز الأمنية والعسكرية على مداخل كل المدن وعزلها عن بعضها البعض بما فيها الأحياء، مما يقيد حركة الاحتجاج أو الخروج إلى الشارع بشكل مطلق ويجبر المواطنين على التزام حظر التجول وإلا سيكون القتل نصيبهم، وهذا ما تم في دوما والمعضمية وداريا وغيرها من مدن ريف دمشق، وجاسم وطفس ودرعا البلد وغيرها من المدن داخل محافظة درعا، وبانياس واللاذقية وغيرها، مما أثّر بشكل أكيد في عدد المتظاهرين الذين خرجوا بنسب أقل في الأيام السابقة، إلا أن القاعدة الشعبية للنظام هي أضعف بكثير مما هي عليه في إيران.
فقد بدأت الانتفاضة من محافظة تصنف تقليدياً من قبل النظام على أنها موالية، ولم تبدأ في القامشلي أو الحسكة حيث مناطق تواجد الأكراد السوريين، تلك المناطق التي لديها تاريخ طويل في الخروج والتظاهر ضد النظام الحاكم منذ عام 2004، كما أنها لم تخرج من حماة أو حلب مناطق الوجود التقليدي لحركة «الإخوان المسلمين» السوريين، وبالتالي فإن خروج التظاهرات الكبرى في هذه المدن تبقى مسألة وقت، وحينها لن يفيد النظام الاستخدام الأقصى لقوات الأمن والجيش لأنها ستستنزف بشكل كبير ومتفرق على امتداد رقعة الجغرافيا السورية.
2- انشقاق الجيش السوري: أما السيناريو الثاني فهو استمرار خروج التظاهرات ولو بشكل أضعف مما كانت عليه واستمرار أجهزة الأمن السورية في الرد عليها بالرصاص الحي. ومع توريط الجيش في مدن سورية مختلفة فإن الانشقاق داخله سيزداد ويتعمق، كما حصل في درعا ومدينة الرستن في حمص وبانياس مما دفع بأجهزة الأمن السورية إلى تصفية هؤلاء الجنود، كما أكد أكثر من شاهد عيان وعدد من الجنود، وأثبت ذلك الكثير من أشرطة الفيديو المنشورة على الإنترنت.
وبالتالي إذا استمرت عملية توريط الجيش فإن انقسامه وبخاصة على مستوى الرتب العليا سيصبح مسألة وقت، وربما في النهاية يتخذ الكثير من قياداته قراراً بحماية المدنيين من المتظاهرين مما سيدخلها في صراع مسلح مع الأجهزة الأمنية وكتائب الفرقة الرابعة ذات التسليح والتدريب الجيد، وهو ما يضع وحدات الجيش على المحك ويحتم على القيادات العليا اتخاذ قرارات تتعلق بمصير الجيش ولمصلحة المتظاهرين وهو سيناريو يحتاج إلى بعض الوقت حتى تتأكد القيادات العليا من ولاء الرتب الدنيا لها في حال اتخذت قراراً بالانشقاق، كما يعتمد على استمرار الحركة الاحتجاجية وتصاعدها في أكثر من مدينة ومحافظة ومحافظتها على سلميتها.
3- التدخل الخارجي: أما السيناريو الثالث والأخير فهو استمرار التظاهرات وتصاعد المواجهة من قبل أجهزة الأمن وحدوث انشقاق داخل الجيش لكن من دون أن يكون حاسماً مما يزيد من عدد القتلى المدنيين ويفتح الباب للتدخل الدولي المباشر من أجل حمايتهم، ورغم أن هذا السيناريو هو الأسوأ وقد يُدخل سورية في النموذج الليبي تماماً، إلا أنه محتمل في ظل تصاعد أعداد القتلى وعدم اكتراث النظام السوري بالإدانات الدولية والمواقف المتصاعدة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
على العموم فإن فرص السيناريوات الثلاثة متقاربة نسبياً وتعتمد على تطورات الأوضاع الداخلية بشكل أساسي وعلى تطور المواقف الإقليمية والدولية بشكل ثانوي.
* باحث زائر في جامعة جورج واشنطن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.