«الفيدرالي الأميركي» يخفض الفائدة 25 نقطة أساس    النائب العام يفتتح أعمال الاجتماع السنوي الرابع لجمعية النواب العموم العرب    غزة تواجه أوامر الإخلاء وسط دعم إسرائيلي للاستيطان    هل تنجح سوريا في مواجهة التحديات الهائلة    السجن مدى الحياة عقوبة قاتل الجنرال الروسي    جلسة "شركات سعودية وعوالم التأثير" في ملتقى صُنّاع التأثير Impact تستعرض رؤى وممارسات ريادية لشركات سعودية رائدة    «التضليل الإعلامي» في ورشة بمعرض كتاب جدة    أمير جازان يرعى افتتاح مهرجان شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية .. غدًا    "اليونسكو" ومؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية تحتفيان باليوم العالمي للغة العربية بباريس    الأطفال يصممون الأزياء في معرض جدة للكتاب 2024    الأخضر يستعيد خدمات البريكان وتمبكتي    وزير الدفاع يرأس اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية    سفير الاتحاد الأوروبي يهنئ المملكة باستضافة كأس العالم 2034    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير دفاع أستراليا    القوات الإسرائيلية تتوغل بعمق 9 كيلومترات داخل ريف درعا    تقرير دولي: السعودية تتفوق في معالجة تحديات سوق العمل    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    وزير الدفاع ونظيره الأسترالي يبحثان العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال الدفاعي    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان "الحفاظ على مقدرات الوطن والمرافق العامة من أهم عوامل تعزيز اللحمة الوطنية"    جامعة الأميرة نورة تُطلق معرض "إطار" لاستعراض مشاريع الطالبات في صناعة الأفلام    بمعدل تغيير بلغ 108%.. «السعودية»: 35.4% مشاركة المرأة في سوق العمل العام الجاري    المركز العربي الأوربي يكرم الدكتور هادي اليامي    إمارة تزيل أكثر من 16 ألف تعدٍّ على أراضٍ حكومية    وزير الصناعة والثروة المعدنية يختتم زيارة رسمية إلى مصر    ارفى تختتم برنامج "مراس" ودعم لثلاثة مشاريع فائزة من البرنامج    الدكتوراه لرباب المعبي    تجاوز صادرات «الخاص» 40 مليار ريال خلال الربع الثالث من 2024    تعليم الطائف يطلق مهرجان الإبل بمشاركة واسعة من الطلاب والطالبات    اللغة العربية.. هوية وثقافة وحياة    الأمير تركي الفيصل يفتتح مبنى كلية الطب بجامعة الفيصل بتكلفة 160 مليون ريال    القيادة تهنئ أمير دولة قطر بذكرى اليوم الوطني لبلاده    جمعية رتل بنجران تطلق التصفيات الاولية لجائزة الملك سلمان بن عبدالعزيز    محافظ محايل يلتقي مدير المرور الجديد    الإحصاء تنشر إحصاءات المنشآت السياحية للربع الثاني 2024    كشف حقيقة الأجسام الطائرة في سماء نيوجيرسي    انطلاق نهائيات الجيل القادم لمحترفي التنس... اليم    مصرع 14 شخصا جراء زلزال فانواتو    الدفاع المدني : أمطار رعدية على معظم مناطق السعودية حتى السبت المقبل    سبعة آلاف عملية جراحية في مستشفى الملك سلمان    برئاسة الفيصل.. ألبانيا تحتضن اجتماعات الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي    محمد بن ناصر يدشّن برنامج "مبادرات المناطق"    إقامة دورة التصوير والمونتاج الميدانية لذوي الإعاقة السمعية في جازان    استدراك ما أُهمل من تراثنا العمراني !    وزارة الثقافة تحتفي اليوم بإبداعات الثقافة العراقية في النسخة الثانية من مهرجان "بين ثقافتين"    سعود بن بندر يطلع على خدمات "هبة لمتلازمة داون"    علامات الزواج من رجل يميل للعنف والعدوانية    تدشين المخيم المجاني لجراحة العيون في المستشفى الميداني السعودي في سقطرى    "معرض جدة للكتاب" يستحضر سيرة وعبق تاريخ كسوة الكعبة المشرفة    «العليمي»: السعودية حريصة على تخفيف معاناة الشعب اليمني    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    تفعيل خدمة البريد الدوائي المجاني في مستشفى الملك خالد    «هانا المرعبة».. مخاطر قلة النوم    5 فوائد للمشي إلى الخلف    الخليج يخوض ثلاث وديات في معسكر قطر    بحضور تركي آل الشيخ.. انطلاق أسبوع الملاكمة لنزال «Fury vs Usyk Reignited»    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    مُخ العبادة    الأمير فهد بن سلطان يستعرض مخطط تبوك وتيماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجيرة المؤذيّة» تضاعف الأخطار المسرطِنَة لأسلحة اليورانيوم
نشر في الحياة يوم 31 - 01 - 2018

هل سمعت عن «التأثير بالجيرة» الذي تمتلكه المواد الذريّة المشعة كاليورانيوم؟ إذا لم تكن سمعت بها، لا يكون الأمر غريباً تماماً لأن لا مرادف عربيّاً حتى الآن للعبارة التي تصف ذلك التأثير The Radiation Bystander Effect، بل إن ترجمتها «التأثير بالجيرة» يقرب من كونه اجتهاداً شخصيّاً!
باختصار، تنبعث من مادة اليورانيوم وما يشبهها من المواد، مجموعة من الإشعاعات، من بينها تلك التي تُسمّى «آلفا»، وهي تمتلك تلك الخاصية المؤذية. ويعني ذلك أن الضرر الذي تحدثه بنفسها في خليّة ما، ينتقل إلى ما يجاورها من الخلايا الطبيعيّة، من دون أن تصلها تلك الأشعة مباشرة! وبقول آخر، إذا أحدثت أشعة «آلفا» تحوّلاً سرطانيّاً في خلية ما، ينتقل التحوّل إلى خلية سليمة بجوارها، فتصبح سرطانيّة من دون الحاجة لأن تصاب مباشرة بأشعة «آلفا».
تبدو خلايا الجسم أشبه بسلسلة من حجارة الدومينو، ما أن يصاب أحدها حتى يطاول الأنهيار المجموعة كلها. وأشعة «آلفا» التي تصدر أيضاً عن مادة اليورانيوم المُنَضّب Depleted Uranium المستخدم في الصناعة العسكريّة تحتاج إلى قرابة 4.5 بليون سنة، كي ينخفض «حجمها» إلى النصف، ومدة مماثلة للانخفاض إلى نصف النصف وهكذا دواليك.
وفي عام 1998، نشرت عالمة البيولوجيا الإشعاعيّة الأميركيّة آلكساندرا ميللر دراسة أشارت فيها إلى تقرير علمي ظهر عام 1992، واحتوى ما يمكن اعتباره إشارة مبكّرة إلى ذلك التأثير. وتناول التقرير موضوع التعرض لجرعة منخفضة من أشعة «آلفا» مبيّناً أنها تحدث تلفاً بيولوجيّاً في مجاميع من الخلايا يفوق التوقّع.
وفي عام 2003، قادت ميللر فريقاً علميّاً بحث في وجود أدلة قويّة عن عملية تأثير تنتقل من الخلية المتعرضة لتلك الأشعة مباشرة إلى خلايا مجاورة لم تطاولها الأشعة عينها.
العراق وأشباح مرعبة لحروبه
لم يكن «التأثير بالجيرة» مجهولاً لدى العلماء الذين رصدوا قدرة أشعة «آلفا» على إحداثه في مجموعة من المواد المشعة. وما لم يكن معروفاً إلى زمن قريب نسبيّاً هو قدرة «آلفا» التي تصدر من مادة اليورانيوم المُنَضّب على إحداث ذلك التأثير الفتّاك، وهو أمر أحرزت ميللر سبقاً علميّاً بالتدليل عليه. ويملك ذلك التأثير إملاءات شتى في علوم الذرّة والأشعة، وكذلك الطب المرتبط بها. وعربيّاً، تأتي أهمية أمره من كون أسلحة اليورانيوم المُنَضّب استُخدِمَتْ في حروب العراق.
أكّدت العالِمَة ميللر صحة استنتاج قاتم آخر توصل إليه مختصّون آخرون في شأن تآزر السميّة الكيماويّة ونظيرتها الإشعاعيّة لليورانيوم المُنَضّب. ويسمّى ذلك «التأثير المتآزر» Synergic effect، بمعنى وجود نوع من التعاضد في الأضرار البيولوجيّة المترتبة على السميّتين الكيماويّة والإشعاعيّة لليورانيوم المُنَضّب.
وفنّدت ميللر آراءً سابقة مفادها أن كلاً من السميّتين بمفردها لا تحدث ضرراً عميقاً، مبيّنة أنّ «التأثير المتآزر» يعني وجود تلازم بين السميّتين، ما يجعل ضررهما عميقاً بالضرورة.
وفي عام 2003، صاغت ميللر نقدها للآراء التهوينيّة السابقة، بقولها: «لم يلق أحد نظرة متعمقة إلى المفعول المتآزر للتأثيرين، وللنتيجة النهائية لمفعولهما الذي يساهم في إحداث خطر مستطير».
ولم تكن وحيدة في اعتقادها بذلك. إذ أكّدت العالِمَة كارمل موذرسيل، رئيسة «مركز الإشعاع وعلم البيئة» في «معهد دبلن للتكنولوجيا» أنّ «الفكرة القائلة إن الضررين الكيماوي والإشعاعي، يعزّزان بعضهما بعضاً، هي معقولة وتحظى بزخم متواصل». وأضافت: «هناك من لا يعرف كيفيّة التعامل مع تلك الحقيقة، بل يخفيها تحت السجادة».
كذلك بيّنت مجموعة من الدراسات أنّ إشعة «آلفا» المنبعثة من اليورانيوم المُنَضّب تؤدّي دوراً في تأثيراتها السامة. وتراكمت أدلة عن إمكان تتضرّر خلايا غير متعرضة ل «آلفا» بالتأثيرين، لمجرد وجودها في محيط الخلايا المتعرضة مباشرة للأشعة.
رأي من أميركا
وفي 2005، نشرت ميللر ورقة بحثيّة مكرسة للتأثيرات البيولوجيّة لليورانيوم المُنَضّب، أعدّتها بالمشاركة مع فريق من «معهد القوات المسلحة بحوث الأشعة» Armed Forces Radiology Research Intitute في الولايات المتحدة (يشتهر باسمه المختصر «آفرري» AFRRI)، ومن جامعة باريس في فرنسا. وأشارت إلى دور «التأثير بالجيرة» في إحداث تغييرات متّصلة بمرض سرطان الدم («لوكيميا» Leukemia)، إضافة إلى مجموعة من الأمراض العصبيّة، خصوصاً في الحال التعرّض المزمن لليورانيوم المُنَضّب. وبعد تجارب مضنيّة على أنسجة في المختبر ومجاميع من فئران التجارب، خلص الباحثون للقول إنّ من شأن التعرّض الطويل الأمد لتأثيرات الإشعاعات الصادرة عن اليورانيوم المُنَضّب (سواء بصورة مباشرة أو عبر «التأثير بالجيرة») أن يتسبّب في نمو أورام خبيثة عند البشر.
وفي عددها الصادر في خريف 2017، نشرت الدورية العلمية الأميركيّة «علم السميّات والصيدلانيّة التطبيقيّة» Toxicology and Applied Pharmacology دراسة عن «التأثير بالجيرة» المتصل بالتعرّض لليورانيوم المنَضّب، أجراها فريق بحثي قادته العالِمَة ميللر من معهد البحوث «آفري» التابع للقوات المسلحة الأميركيّة، مع مشاركة من مؤسّسات علمية أخرى. وأشارت الدراسة إلى كون اليورانيوم المُنَضّب معدن ثقيل ومشع، وهو مستخدم في شكل واسع في تطبيقات عسكريّة كثيرة. وبيّنت أنّ تعريض الخلايا البشريّة التي تتولّى بناء العظم، لليورانيوم المنَضّب ينقلها إلى حال سرطانيّة، مع ظهور تأثيرات سميّة في جيناتها أيضاً. واستطاعت الدراسة رصد تفاصيل الآليات التي تربط بين السميّتين الإشعاعيّة والبيولوجية، في حالات التعرض لليورانيوم المُنَضّب.
علق الباحث دوغ وير، منسق «التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم» (International Coalition to Ban Uranium Weapon) بأن الدراسة الجديدة قدمت براهين على بطلان القول إنّ السميّة الفعليّة لليورانيوم المُنَضّب تتصل حصريّاً بالتأثير الكيماوي. وكذلك حسمت بالأدلة العلميّة وجود «التأثير بالجيرة» باعتباره خطراً لا يقل عمقاً عن التأثير الكيماوي لتلك المادة.
تنشّق الغبار الذرّي يسبّب أمراضاً تنتقل إلى الأبناء
أوضح الباحث الأميركي دوغ وير، منسّق «التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم» International Coalition to Ban Uranium Weapon أنّ «التعقيد في تحديد الأخطار الصحيّة الناجمة عن «تأثير الجيرة» داخل الجسم، تم تسليط الضوء عليه في تقرير أعدته «لجنة الأمم المتحدة العلميّة عن تأثيرات الإشعاع الذرّي» United Nations Scientific Committee on Effects of Atomic Radiation في عام 2016. وبيّن وير أنّ ذلك التقرير خلص إلى ضرورة مواصلة البحوث الرامية إلى تقويم مدى الضرر الذي يلحق بجسم الإنسان من جرّاء «تأثير الجيرة». وشدّد أيضاً على وجود حاجة ملحّة إلى مزيد من العمل لفهم تأثيرات الجرعات المتصلة بذلك التأثير، إضافة إلى تلك التي تتناول مناحي أخرى من الآثار السلبية للأشعة الذريّة.
والمفارقة أنّ تلك اللجنة الأمميّة ذاتها، تحدّثت أيضاً عن الآثار الصحيّة لليورانيوم المُنَضّب، لكنها زعمت أنّ ما يتسبب به لا يرقى إلى مستوى الأمراض المهمّة سريريّاً. وفي المقابل، يُلاحَظ بوضوح أن استنتاجها ذلك لم يستند إلى بحوث تشمل السكان المدنيّين ممن تعرّضوا لليورانيوم المُنَضّب.
في مقلب مغاير من المشهدية ذاتها، أثبتت دراسة أُجريَتْ في ألمانيا على يد فريق علمي قادته العالِمَة هيكه شرويدر، وكرست لتحليل اضطرابات عناصر الوراثة لدى قدامى المحاربين ممن شاركوا في حربي الخليج والبلقان، أنّ جزيئات اليورانيوم المُنَضّب يمكن أن تصل إلى كل أجزاء الجسم البشري، بما في ذلك السائل المنوي عند الذكور وخلايا المبيض عند الإناث، ما يزيد إمكان تضرّر الجينات والإصابة بأمراض سرطانيّة.
وفي عام 2005، نشرت الباحثة ريتا هيندين وزملاؤها من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ورقة بحثيّة عن السميّة الجينيّة لغبار اليورانيوم المُنَضّب. وجزمت بأنه يسبب تشوّهات خلقية تطاول نسل الأشخاص الذين تعرضوا لليورانيوم المُنَضّب.
وفسّرت عالمة الأوبئة روزاليا برتل أنّ أضرار اليورانيوم المُنَضّب تتصل بدخولها إلى الدم،
وظهرت دلائل مشابهة في عام 2007، عبر دراسة أنجزتها عالمة السموم الأميركيّة في مختبر مختص تابع ل «جامعة ساوثرن ماين» في الولايات المتحدة.
* اكاديمي عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.