يتحرك الاقتصاد العُماني باتجاه نموذج جديد للنمو، وقد يستفيد من تجربة دبي في مجال تنويع الاقتصاد، في حين تحتاج السلطنة إلى تحقيق نمو قوي ومستدام لضمان المضي قدماً في إيجاد فرص عمل والحفاظ على الاستقرار المالي على المدى المتوسط والحد من الاعتماد على النفط. وأظهر تقرير أصدرته «مجموعة بنك قطر الوطني» أمس، أن «من أبرز عوامل النجاح تشجيع القطاع الخاص ليتحمل عبء النمو، لتتمكن الحكومة من التركيز على إيجاد الحلول للاختلالات المالية، ولكن السياسات التي اتبعتها الحكومة خلال السنوات الماضية، والتي أدت إلى رفع رواتب القطاع العام مقابل القطاع الخاص، تتحرك بعكس هذا الهدف، وقد تحتاج الحكومة إلى مراجعتها إذا كان لعُمان أن تحقق نموذجاً قوياً للنمو». ولفت إلى أن «الأرقام التي أعلنت الشهر الماضي أظهرت نمواً اسمياً في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 2.8 في المئة، بينما ستكشف أرقام النمو الحقيقي في وقت لاحق من السنة». وبحسب الأرقام، شهد القطاع غير النفطي نمواً اسمياً نسبته 7.6 المئة، فيما تراجع القطاع النفطي نحو واحد في المئة، ما يظهر القوى المحركة للاقتصاد في السلطنة خلال السنوات الماضية. وأضاف التقرير أن «هذا النمو ارتكز على ارتفاع كبير في الإنفاق الحكومي مُوّل أساساً عبر الإيرادات النفطية العالية، ويشير الاعتماد المفرط لهذا النموذج التنموي على ارتفاع أسعار النفط إلى مدى الحاجة لمزيد من الإصلاحات للوصول إلى معدلات أعلى من النمو والتوظيف المستدامين»، متوقعاً «تباطؤ النمو الحقيقي إلى ثلاثة في المئة هذه السنة مقارنة ب3.8 في المئة عام 2013». وأشار إلى أن «الدافع الأساس للنمو خلال السنوات الماضية كان القطاع غير النفطي، مع استقرار إنتاج النفط، كما استفادت قطاعات البناء والنقل والإدارة العامة والدفاع من زيادة ضخمة في الإنفاق الحكومي، الذي قفزت نسبته من الناتج المحلي من 33 في المئة عام 2010 إلى 43 في المئة عام 2012، بينما لا تزال العائدات غير النفطية تشكل أقل من 20 في المئة من الإيرادات الحكومية». وموّلت الحكومة الزيادة الكبيرة في إنفاقها من العائدات النفطية العالية مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط العالمية، ونتيجة لذلك ارتفعت نقطة التعادل للسعر المالي للنفط (السعر الذي تبلغ عنده الموازنة الحكومية مستوى التوازن) من 62 دولاراً للبرميل عام 2008 إلى 80 دولاراً عام 2012، ويُتوقع أن تتجاوز 120 دولار عام 2018 وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وتتجاوز هذه التقديرات بكثير توقعات «بنك قطر الوطني» البالغة 102 دولارين للبرميل عام 2018، ما يشير إلى أن الحكومة قد تواجه خطر عجز مالي كبير حينها، كما يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع العجز إلى أكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي عام 2018. ورجح التقرير «أن يكون نموذج نمو يرتكز على افتراض ارتفاع أسعار النفط غير قابل للديمومة، فعلى الحكومة العمانية احتواء فاتورة مصاريفها التي ارتفعت 50 في المئة منذ العام 2010، بعد إيجاد 100 ألف وظيفة جديدة في الخدمة المدنية والقطاعات الدفاعية بين عامي 2011 و2013، كما تحتاج السلطات المالية إلى تنويع مصادر الدخل عبر زيادة حصة العائدات غير النفطية من خلال فرض ضرائب وجمارك جديدة». وأضاف أن «بإمكان السلطنة الاستفادة من تجربة إمارة دبي في تنويع اقتصادها خلال العقود الثلاثة الماضية، ففي تسعينات القرن الماضي، واجهت دبي المشكلة ذاتها التي تواجهها عُمان اليوم والمتمثلة بتراجع مواردها النفطية، ما دفع حكومة دبي إلى فتح اقتصادها للاستثمارات الخاصة وتسهيل قوانين ونظم مزاولة الأعمال التجارية، وبذلك جعلت اقتصادها من بين الأكثر تنافسية في المنطقة، بعدما نجحت الإصلاحات في تنويع الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص ليصبح القوة الدافعة لنموذجها التنموي. ويتخذ صنّاع القرار اليوم في السلطنة خطوات في هذا الاتجاه، وفق التقرير، بهدف تعزيز النمو والحفاظ على الاستقرار المالي، إذ أعلنت الحكومة أن رفع إنفاقها خمسة في المئة فقط في الموازنة الحالية، ما يترك مزيداً من الفرص للقطاع الخاص للمشاركة في تمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى، كما لمّحت أخيراً إلى احتمال رفع الدعم عن الوقود.