القاهرة - رويترز - على رغم الصعاب التي يواجهها القطاع العقاري المصري وابتعاد المستثمرين عنه، عاد بعضهم إلى شراء أسهم فيه يفترض أنها أقل عرضة لملاحقات قضائية طاولت صفقات بيع أراض للدولة أحاطت بها الشبهات. فالقطاع العقاري، الذي ظل على مدار عقد كامل محركاً أساساً للطفرة الاستثمارية، دمرته رأسمالية ارتكزت على علاقات الصداقة والقربى، وهو يتحمل الآن تبعات ملاحقات بتهم فساد، تتزايد رقعتها بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك شباط (فبراير) الماضي. وقد يستغرق الأمر سنوات لتجاوز التحديات القانونية التي تواجهها شركات مثل «بالم هيلز» و «طلعت مصطفى»، التي ركزت أعمالها على شريحة عليا من القطاع العقاري تستهدف المقتدرين. وقد يكون الانتظار طويلاً جداً بالنسبة إلى بعض المستثمرين الباحثين عن الربح في هذا القطاع. ويرى محللون أن المستثمرين ربما بالغوا في بيع أسهم مؤسسات مثل «سوديك» و «عامر غروب»، استناداً إلى القوائم المالية القوية لدى هذه الشركات، والتي قد تساعدها في تجاوز العاصفة وتأمين تواجدها في قطاعات مثل العقارات التجارية خلافاً للشريحة السكنية الراقية. ولا شك في أن تضارب القوانين الناظمة لصفقات بيع الأراضي العقارية، يأتي في قلب النزاع القانوني الذي دفع القضاء إلى إبطال عقود مبيعات لشركات «بالم هيلز» والشركة «المصرية للمنتجعات». كما أن ملكية «مجموعة طلعت مصطفى» لواحد من أكبر المشاريع العقارية أصبحت في حيز الخطر. وتراجعت أسهم «بالم هيلز» 75 في المئة في العام الجاري، بينما هوت أسهم الشركة «المصرية للمنتجعات» و «طلعت مصطفى» 61 في المئة، والنسبة الأخيرة هي ضعف نسبة تراجع المؤشر الرئيس للبورصة المصرية «إي جي إكس 30». واستولت أزمة الثقة على القطاع برمته. ويعود تاريخ الطعن في صفقات بيع أراضي الدولة إلى فترة ما قبل رحيل مبارك، وازدادت حدة الاعتراض عليها مع اندلاع الثورة، ما أدى إلى صب جام الغضب الشعبي على المسؤولين الذين باعوا الأرض بأثمان زهيدة في دولة غالبية سكانها يعيشون في فقر. وتم سحب الأراضي من ثلاث مؤسسات على الأقل، وأُودع وزيرا إسكان سابقان السجن. وتدور القضايا حول قانون صدر عام 1998 يقضي بضرورة بيع كل أراضي الدولة بالمزاد العلني. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «أوراسكوم للتنمية» سميح ساويرس: «أكبر مشكلة تواجه الدولة هي غياب الوضوح في ما يتصل بالوضع القانوني لكل أراضي مصر». وأضاف: «ما لم يحل هذا الإشكال، لن يشهد هذا البلد أي تطوير في أي مجال. والمشكلة أن هذا القانون يمكن تطبيقه على أي أراض بيعت في مصر». ويحذر محللون من أن المعارك القضائية المطولة وخطط التعويضات العشوائية والاحتكام إلى مؤسسات دولية، من شأنه وأد أي استثمارات جديدة بالقطاع العقاري. وأكد نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة القاضي أحمد مكي، أن «الأراضي المباعة للكثير من الشركات، يجب إعادة تقويمها مع التفكير في خطط للتعويض وطرح مجموعة من الأراضي للمزاد العلني من جديد».وعملياً أصبح كل مشروع كبير، أو كل مطور عقاري ذي ثقل، محلَّ شك في ما يتصل بطريقة بيع الأراضي. ونسبياً لم تنج إلا المؤسسات الصغيرة التي ركزت أكثر على إسكان الطبقة الوسطى. وفي حيز الأمان النسبي أيضاً شركات أخرى، مثل «مدينة نصر للإسكان» و «مصر الجديدة للإسكان»، التي آلت إليها الأراضي بتاريخ أقدم، وتتبنى انكشافاً أكبر على إسكان الطبقة المتوسطة، التي يعجز ملايين من أبنائها عن امتلاك منزل. وكان مجلس الوزراء في عهد مبارك طالب بوقف المعارك القضائية، حين وعد بسن قوانين جديدة، لكن اندلاع الانتفاضة الشعبية حال دون إتمام الخطة. أما الإدارة الجديدة، التي تستند إلى القوات المسلحة، فتوزع انتباهها وتشتت بين تحديات كثيرة، ما منعها من إيلاء الاهتمام اللازم لحل الأزمة العقارية، وفقاً لمحللين. ويدعو خبراء القطاع إلى تدخل سريع وجريء أيضاً، لكن مخاوفهم تأتي من أن الحكومة لا تُظهر رغبة في إعادة صياغة الإطار القانوني للقطاع العقاري في مصر، تاركة المهمة للحكومة الجديدة التي ستتولى مقاليد الحكم بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في أيلول (سبتمبر) المقبل. ويقول الرئيس السابق لمجلس الدولة القاضي محمد حامد الجمل: «نحتاج إلى قانون جديد يسد الفجوات التي تركت من دون رقيب في السابق». وأضاف: «على الحكومة أن تراجع كل عقودها قبل أن تصبح محل نزاع قضائي». ومن دون هذا، تبقى قطاعات عريضة من الصناعة رهن أحكام القضاء. لكن الأخبار ليست كلها سيئة. فقد أكدت مؤسسة «كولدويل بانكر» العقارية الدولية، أن الطلب على العقار خارج القاهرة تراجع. لكن رئيس الشركة في مصر محمد عبد الله، قال: «الاتجاه داخل المدينة معاكس لذلك». ويمكن أخذ مبيعات «كولدويل» كمؤشر على المبيعات العقارية داخل العاصمة. وأوضح عبدالله ان «مبيعات الشركة في مصر تراجعت الى النصف بعد اندلاع الانتفاضة، لكنها استردت جزءاً من خسائرها وصولاً إلى انخفاض 30 في المئة في منتصف نيسان (أبريل)... كنت أتوقع رقماً قريباً من الصفر، لكن العقار هو استثمار جيد جداً في حالات غياب الرؤية الواضحة». ولاحظ أن «ثمة مخاوف متصلة بأخطار العملات، وأن أفضل طريقة للتحوط في وجه ارتفاع أسعار العملات والتضخم هو العقار»، مؤكداً ان «مبيعات العقارات التجارية لم تتأثر». وهذا قد يكون فألاً حسناً لشركات مثل «سوديك»، التي تعول على التأجير التجاري لجمع 400 مليون جنيه مصري في السنة بحلول عام 2014. وقال رئيسها التنفيذي ماهر مقصود في تصريح إلى وكالة «رويترز»: «ثمة وفورات محلية، وهناك أناس يحتاجون إلى شراء منازل، وآخرون يخشون التضخم المحتمل ويبحثون عن أدوات للتحوط». ويرى المتفائلون أن العقار المصري سيتجاوز أزمته تحت الضغط الدافع باتجاه توفير منازل لشرائح الشباب في بلد يعد فيه عدم امتلاك منزل عقبة كؤود على طريق الزواج. أضف إلى ذلك التوقعات المتفائلة الطويلة المدى للشركات القادرة على شق طريقها. ويقول المحلل والباحث في شركة «بلتون فاينانشال» في القاهرة هارشجيت أوزا: «من يريد الاستثمار في هذا القطاع عليه أن ينظر ملياً في موازنته، ليرى إلى متى تستطيع شركته متابعة السير وسط هذا التباطؤ».