حققت الثورة التكنولوجية مكاسب لفئات كثيرة، مع تفاوت يتناسب مع المستوى التعليمي والاجتماعي والمادي. وأدى هذا التفاوت إلى بروز احتقانات اجتماعية يجري التنفيس عنها عِبر الاستغلال غير الآمن للتقنيات الرقمية الحديثة. وفي كتابه «العنف في جرائم الانترنت» (عن «الدار المصرية اللبنانية» في القاهرة)، يقدم محمود الرشيدي رؤية حول المتغيرات الاجتماعية والعلمية المواكبة لتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، موظّفاً هذه الرؤية لتبيان ضرورة مواجهة جرائم العنف الإلكتروني. ويستهل عرضه لهذه الظاهرة بالإشارة إلى عدم اتفاق الاختصاصيين على تعريف موحد للجرائم المعلوماتية أو التكنولوجية، مُلاحِظاً أن القاسم المشترك في التعريفات المختلفة يضع الكومبيوتر وشبكات المعلومات والاتصالات والأجهزة الرقمية والخبرة التكنولوجية، ضمن المكونات الأساسية لهذه النوعية من الجرائم. ويشير الكتاب إلى أساليب العنف الإلكتروني ومظاهره على شبكة الإنترنت، مبيّناً أنها تتعددّ وتتفاوت تبعاً لحجم التهديدات والأضرار الناجمة عنه. وتندرج في الإطار عينه طبيعة المجني عليه كأن يكون أجهزة، شبكات، معلومات، اتصالات، أفراد، كيانات، مرافق أساسية للدولة وغيرها. ومن أهم ظواهر ذلك العنف، السطو على المعلومات، وإلحاق الضرر بأجهزة الكومبيوتر وشبكات الاتصالات والمعلومات، وإعصار ويكيليكس، والاستيلاء على المعلومات، والتشهير الإلكتروني، وازدراء الأديان، والإيذاء جسدياً، والعنف اجتماعياً، والاستغلال الجنسي للأطفال وغيرها. ويُعد انتهاك حقوق الملكية الفكرية من أهم صور العنف الإلكتروني, إذ يخسر العالم سنوياً ما قيمته 14 بليون دولار بسبب جرائم القرصنة والسطو على البرمجيات. وتخسر مصر قرابة 131 مليون دولار سنوياً بسبب قرصنة البرامج. ويشير الكتاب إلى إشادة التقرير الصادر عن «مكتب الممثل التجاري الأميركي حول حماية حقوق الملكية الفكرية وإنفاذ القوانين» في عام 2008 بالجهود المبذولة في مصر لحماية تلك الحقوق، مع تنويهه ب «هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات» («ايتيدا»). ويرى الكتاب أن التقرير تواكب مع تقرير صاغته مؤسسة «أي دي سي» IDC الاستشارية الدولية بالتعاون مع «الاتحاد العالمي لمنتجي البرمجيات التجارية» عن نسب قرصنة البرمجيات وحماية حقوق الملكية الفكرية خلال عام 2008، والذي أشار إلى انخفاض نسبة القرصنة في مصر إلى 59 في المئة مقابل 60 في المئة عام 2007. ويورد الكتاب أن التقرير عينه أوضح أيضاً ارتفاع نسبة قرصنة البرمجيات عالمياً، إذ وصلت إلى 41 في المئة عام 2008، مبيّناً أن التقرير أرجع الأمر إلى أسباب تضمّنت الانتشار السريع لأجهزة الكومبيوتر الشخصية، وازدياد عدد الأجهزة القديمة المحملة ببرامج مقلّدة يستعين مُستخدميها غالباً ببرامج مماثلة لتحديثها، إضافة إلى القدرة المتزايدة لقراصنة الكومبيوتر في التحايل على تدابير حماية البرمجيات من التقليد. كما يورد الكتاب دراسة عن أكثر الدول نجاحاً في خفض القرصنة، التي تتصدّرها اليابان (انخفاض بمقدار 21 في المئة) والولايات المتحدة (20 في المئة)، مقابل نسبة 95 في المئة في جورجيا، و92 في المئة في بنغلاديش وأرمينيا وزيمبابوي. وتشير الدراسة الى تصدر اليمن قائمة الدول العربية في ارتفاع نسبة القرصنة (89 في المئة) وليبيا (87 في المئة) والعراق (85 في المئة)، فيما تصل النسبة عينها إلى 36 في المئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الأدنى عربياً. ويوجز المؤلف أبرز المقاربات الخاصة بالحد من مخاطر إساءة استخدام شبكة الانترنت واستغلالها في ارتكاب الجرائم. وتتضمن قائمة المقاربات التعديل الشامل لثقافة المجتمع في التعامل مع شبكة الانترنت، التوعية بمخاطر شبكة الانترنت وآثارها السلبية، تنمية الوعي الإلكتروني، وزيادة المحتوى العربي الهادف على شبكة الانترنت، تشجيع الدراسات والبحوث الاجتماعية والندوات الحوارية لمواجهة الإجرام الإلكتروني، ودعم الجهود التشريعية والأمنية الرامية للحدّ من الانفلات في استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة، وتفعيل التنسيق بين الأجهزة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وتضمين الهيكل التنظيمي لمراكز المعلومات وظائف تتصل بأمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.