لم يكن مشهد البرلمان الكويتي أمس من رياح عاصفة الحريات والتغيير في ربيع العرب الذي هز شوارعهم بأجساد مسلّحة بالحناجر، تواجه مدرعات أنظمة مذعورة. لم يكن المشهد من مظاهر الديموقراطية الكويتية، ولا من حركات التغيير التي تتأبى فخ الرصاص لتحاصر السلطة العربية بكل ما يدينها. ببساطة، ما حصل تحت قبة البرلمان الكويتي، حفلة ضرب بين نواب اختلفوا على حرية معتقلين في غوانتانامو، وعلى تصنيفهم، فاستدرجوا الاحتقان المذهبي في البلد والمنطقة الى بيت المشرّعين، ولكن باللكمات والشتائم. وإن كان لا خلاف على عراقة الحياة البرلمانية في الكويت، وحيويتها، وعلى صولات النواب وجولاتهم مع الحكومات، فاستبدال بعضهم لغة العضلات بلسان الحوار، هو تسلل لعدوى إقصاء الآخر، واستئصاله. والمفارقة في ما اجتهد فيه نواب للشعب الكويتي، اعتبروا القبضة صلاحاً للأمة، بتقويم اعوجاج الآخر، انه هو ذاته سلاح السلطة العربية في غير مكان، والتي تواجه دعاةَ الحرية بالاستئصال. فإذا أضيف التشنج المذهبي الى الانفعال الغرائزي، انهارت حواجز التمييز بين مَن يُحكَم ومَن يُفترض انه يمثل مصالح المحكومين ومطالبهم... بل لعل السلطة في بعض بقاع العرب أكثر اقتراباً الى العقل من ميل نُخب الى مقارعة الحجة بالتخوين، والضرب. مشهد آخر من البحرين، ستارته العنف ايضاً، ومسرحه فصل الانتقام، بدهس رجال شرطة. وإنْ تذرَّع بعضهم ب «العين بالعين والسن بالسن»، فدراما العنف لم تخفِ منذ البداية نوازع التنصل من لغة الحوار والتسويات، فيما ترفع لافتة الحقوق والحريات. هل تكون تسويات بلا حلول وسط، أم المطلوب جمهورية أفلاطون، لتقارع أمهات الديموقراطيات الغربية؟ ليس دفاعاً عن الجمود، أو تبرير حكومات وسلطات عهود الصوت الواحد لكل الجماهير المستلبة برايات القائد المظفّر الذي سيفتح حتماً أبواب القدس... ولو أغلق كل نوافذ الأمل لأجيال القهر العربي. أوَتكون النكبة الكبرى في حرص ذاك الزعيم على استنساخ أشباهه من أجيال الصمت، حتى إذا انتفضت شعوب، وهدمت أصنام المظفّرين دائماً بأرواحها وأرزاقها، حوصرت بتلامذتهم؟! أوَليس العراق المحرَّر من الديكتاتور بسلاح الأجنبي، نموذجاً للديموقراطية المزوّرة بمحاصصات النهب والتمييز؟ زادت مقاعد نواب الأمة... اشتدت قبضة الإقصاء، فكَم من صدّام؟ أوَيكون العراق أرضاً لثورة؟ أم أن مواسم القتل الجماعي تجفف دجلة الأمل؟ بالعنف ايضاً، تضطرب ثورة الياسمين، للعهد البائد طبقة من طلاب الامتيازات والمصالح، تفخخ الطريق الى الاستقرار، حتى الحدود. وبالعنف يتغذى مشهد الانتقام في مصر، حيث يعرف شباب الثورة طلاب الثأر والشحن الطائفي الذي يلطخ رداءها وعدالتها. الخوف أن تكبر رياح «التطهير» والإلغاء، باسم استئصال المشبوهين، أو حتى باستغلال الدين لتدمير وحدة «25 يناير». ومن مصر الى تونس وليبيا وكل البلدان التي يوحّدها تعريف المؤامرة بمجموعة من المواطنين تبحث عن العدالة خارج منظومة الأجهزة، وعن رغيف الخبز قبل المعارك المظفّرة والصواريخ... في كل تلك البلدان يبدو مقتل الثورات في تحويل الانتقام الى سلوك منهجي مشروع، يدمّر الدولة ويغيّب القوانين باسم شرعية الشارع. بهذا السلوك لن يستقيم أي حوار، وقبضة الاستئصال كفيلة بدفن عدالة الإصلاح، كلما امتشق المنتصرون سيف «التطهير» الوقائي. أين مِن هؤلاء، الملاكمون في البرلمان الكويتي؟