واشنطن – أ ب – مخططو العملية السرية لقتل زعيم تنظيم «القاعدة» في باكستان، كانوا يدركون أنها فرصة لن تتكرّر، وكادت تنتهي في شكل مريع. الولاياتالمتحدة تعمّدت إخفاء العملية عن باكستان، متوقعة أن غضباً عارماً على انتهاك سيادة البلاد، سيجعل من المستحيل إعادة الكرّة ثانية، إذا فشلت الغارة على المجمّع المشتبه به لبن لادن. وقال مسؤولون إن الأمور بدأت تصعب، تقريباً فور وصول أفراد الكوماندوس إلى هدفهم، إذ أنهم خربوا الخطة الموضوعة للإغارة في شكل مفاجئ على منزل بن لادن، بعدما حطّت بهم أمام البيت مروحية تصدر صوتاً مرتفعاً، ما أرغمهم على إهمال خطط التسلل إلى المنزل في شكل سري، من السقف والطابق الأرضي. بدل ذلك، اقتحموا الطابق الأرضي وبدأوا عملية تفتيش، من طابق إلى آخر، وصولاً إلى الطابق الأعلى حيث افترضوا أن بن لادن سيكون موجوداً، إذا كان فعلاً في المنزل. وكانوا محقين في ذلك، إذ واجهوا بن لادن في رواق أمام غرفة نومه، فلاحقه ثلاثة من أفراد المجموعة. واتُخذ قرار شنّ العملية، غالباً بسبب إطلاع مسؤولين أميركيين كثر على الخطة، إذ خشي مسؤولون في واشنطن أن يؤدي تسريبها إلى وسائل الإعلام، إلى اختفاء بن لادن لعقد آخر. وأشار مسؤولون تحدثت اليهم وكالة «اسوشييتد برس»، إلى أن القوات الخاصة الأميركية تسلّلت نحو أربع مرات في الأراضي الباكستانية، منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. لكن عملية قتل بن لادن، والتي جرت على عمق 145 كلم داخل باكستان، لم تشبه أياً من سابقاتها. وأوكلت المهمة إلى الوحدة الرقم 6 في كوماندوس «سيل»، العائدة لتوها من أفغانستان حيث كانت تطارد زعيم «القاعدة» شرق البلاد، منذ العام 2001. وأقلعت خمس مقاتلات من جلال أباد في أفغانستان، كما حطّت 3 مروحيات من طراز «شينوك» بحجم باص مدرسة، في منطقة صحراوية تبعد نحو ثلثي المسافة إلى منزل بن لادن في مدينة أبوت آباد. وكان في مروحيتي «بلاك هوك»، 23 عنصر كوماندوس، ومترجم وكلب مدرب يُطلق عليه اسم «كايرو». ونصّت الخطة على دخول 19 فرداً إلى المنزل، وعثور ثلاثة على بن لادن. وهذه المرة الأولى التي يُكشف عدد أفراد الكوماندوس المشاركين في العملية. أما مروحيتا «شينوك»، فكانتا تقلان 24 عنصر كوماندوس، على شكل قوة إسناد. وقال مسؤولان إن مروحيتي «بلاك هوك» صُممتا خصيصاً لكبت الصوت الذي يصدره ذيلاهما ومروحتاهما ومحركاهما. واحتُسب الوزن الإضافي في شكل دقيق جداً، مع أخذ حالة الطقس في الاعتبار. لكن مساء المهمة، كان الطقس أكثر سخونة من المتوقّع. وكانت الخطة تقتضي بأن تنزل المروحيتان أفراد الكوماندوس، وتغادر في اقل من دقيقتين، على أمل بأن يفترض سكان المنطقة انهما مروحيتان باكستانيتان تزوران أكاديمية عسكرية قريبة. وكان مقرراً أن تحلّق إحدى المروحيتين فوق المنزل، وينزل منها أفراد من الكوماندوس على حبال في ساحة مفتوحة. أما الثانية فكان مقرراً أن تحلّق فوق السطح، مُنزلة أفراداً من الوحدة، ثم تنزل آخرين خارجاً، إضافة إلى المترجم، والكلب المكلّف ملاحقة أي شخص يحاول الفرار، وتنبيه الوحدة إلى أي قوات باكستانية تقترب من المكان. وإذا وصلت قوات باكستانية، نصّت الخطة على الاحتماء في المجمّع، متجنبين أي مواجهة مسلحة مع الباكستانيين، فيما يتفاوض مسؤولون في واشنطن في شأن مرورهم. وتقرّر أن يهاجم فريقا الكوماندوس داخل المنزل، في شكل متزامن، من الأعلى والأسفل، من دون إطلاق نار، لضمان عنصر المفاجأة، في خلال دقائق فقط، كما فعلوا تكراراً خلال تدريب على نموذج للمجمّع. لكن الخطة انكشفت، بعد محاولة أول مروحية التحليق فوق المنزل، إذ ترنّحت ال «بلاك هوك» بسبب حرارة الجوّ، ما دفع قائدها إلى أن يحطّ بها، فعلق ذيلها ومروحتها في أحد الجدران، لكن قائد المروحية سارع إلى دفن مقدمتها في التراب، لمنعها من التقلّب، وتسلّق أفراد الكوماندوس من ساحة خارجية. أما المروحية الأخرى، فلم تحاول حتى التحليق، بل حطّت خارج المجمّع، ما أفقد الوحدة عنصر المفاجأة. لكن أفراد الكوماندوس كانوا تدرّبوا على ذلك، وبدأوا التقدم، بتفجير جدران وأبواب، من الطابق الأرضي وصولاً إلى الطابق الثالث والأخير. تقدّم أفراد الكوماندوس، تمّ عبر حواجز في كلّ درج أمامهم، كما أطلقوا النار على شخص اطلق النار عليهم. وقتلت الوحدة ثلاثة رجال، وامرأة قال مسؤولون أميركيون إنها اندفعت في اتجاه الوحدة. وفي كل طابق، كان هناك أطفال، بما في ذلك شرفة غرفة بن لادن. وإذ وصل ثلاثة من أفراد الكوماندوس إلى أعلى نقطة في الطابق الثالث، رأوا بن لادن واقفاً في آخر الردهة، وتعرّفوا إليه على الفور. زعيم «القاعدة» تعرّف إليهم أيضاً، وهرع إلى غرفته، فافترض العناصر الثلاثة انه يريد سلاحاً، ولحقوا به من خلال الباب. وقفت امرأتان أمام بن لادن، وهما تصيحان، محاولتين حمايته، لكن العنصر الأول في الكوماندوس أبعدهما، خشية أن تكونا ترتديان سترات تفجيرية انتحارية. وأطلق عنصر ثان رصاصتين على بن لادن، واحدة في صدره وأخرى في رأسه. وانتهى الأمر خلال ثوان. في غرفة المتابعة في البيت الأبيض، أُبلغ المسؤولون الأميركيون بالعثور على بن لادن، من خلال كلمة الرمز «جيرونيمو». وقال مسؤولان إن تلك الكلمة لم ترمز إلى بن لادن، بل إلى حرف «ج»، إذ أن كلّ مرحلة في العملية صُنّفت عبر أحد أحرف الأبجدية، و«جيرونيمو» عنت أن أفراد الكوماندوس وصلوا إلى المرحلة «ج»، وتتمثل في قتل زعيم «القاعدة» أو اعتقاله. والتقط أفراد الوحدة صوراً لجثة بن لادن، للتعرّف إليه، فيما عثر آخرون على رشاش «كلاشنيكوف» ومسدس روسي الصنع من طراز «ماكاروف»، على رفّ قريب من الباب الذي دخلوه. لكن بن لادن لم يمسّهما. وهذان السلاحان كانا بين أسلحة معدودة، عُثر عليها وأخذتها الوحدة. الوصول إلى بن لادن استغرق نحو 15 دقيقة، فيما أمضى أفراد الكوماندوس الدقائق ال 23 الأخرى، في نسف المروحية المتحطمة، بعد محاصرة 9 نساء و18 طفلاً، لإبقائهم بعيدين عن مرمى التفجيرات. إحدى مروحيات «شينوك» نقلت جثمان بن لادن، وأفراد الكوماندوس الذين استقلوا المروحية المحطمة، إضافة إلى الأسلحة والوثائق والأغراض الأخرى التي عُثر عليها في المنزل. وعادت المروحيات المشاركة في العملية، إلى قاعدة بغرام في أفغانستان، فيما نُقل الجثمان إلى سفينة حربية أميركية، لدفنه في البحر، لضمان عدم تحوّل ضريحه إلى مزار. وحين التقى أفراد وحدة «سيل» الرئيس الأميركي باراك أوباما، لم يسألهم الأخير عمّن قتل بن لادن، بل اكتفى بشكر كل فرد منهم.