«يبدو أن الدفن المفترض ل «بن لادن» في مياه البحر عمل متهور ومحاولة مكشوفة لضمان ألا تجد جثته مكاناً تستقر فيه، وألا يقام له مزار مقدس يدور حوله من يرغبون في أن يكونوا جهاديين» تلك خلاصة مقال نشرته مجلة (تايم) الأميركية. اللافت في مثل هذه الأخبار بعيداً عن القيم الحضارية والإنسانية ربط عقيدة «الجهاد» عند المسلمين بأشخاص لا بنصوص مقدسة، والحكم على الجهاد من خلال تصرفات الأفراد، وكأنه فكرة شخصية ابتدعها وتبناها فرد، وهذا لا يتفق مع منهجية البحث العلمي الذي ينادى به في عالم اليوم، إذ إن الحكم على أمر ما يتم من خلال معرفة تاريخه وأصله وفلسفته التي يقوم عليها ومحاكمة الفرد من خلال ما يتبناه من نصوص لا محاكمة النصوص من خلال ممارسات الأفراد، وإلا فإن أميركا وفلسفتها الديموقراطية أول المتضررين من هذا المنهج. إن «الجهاد» عقيدة إسلامية تُستقَى من كتاب الله وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحاولة تعطيله أو تشويهه من أي شخص أمر محال، حينما يُحاول ربط الجهاد بشخص ويحاكم من خلال تصرفاته لصد الناس عنه، فالجهاد لم يقم يوماً على أفراد وإنما هو قائم على شريعة تعتمد النص القرآني والنبوي، وتُفهم من خلال فهم العالم الذي يملك أدوات الاستنباط، لا من المسلم العامي الذي الذي أمره الله أن يستفتي أهل العلم، يقول تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ». ولابن القيم تقسيم بديع لمراتب الجهاد، فقد قسمه إلى ثلاث عشرة مرتبة، جعل أولها جهاد النفس، ثم جهاد الشيطان، ثم جهاد الكفار والمنافقين، ثم جهاد أرباب الظلم والبدع، وتحت كل قسم تفريعات. وتظهر فائدة تعدد أنواع الجهاد ومراتبه في عدم انحصاره في القتال، لأن بعض الناس ربما يدفعه تصوره القاصر عن مفهوم الجهاد إلى أعمال غير منضبطة بضوابط الشرع كي لا يكون ممن مات ولم يحدث نفسه بالغزو، وقد غاب عنه فقه الجهاد وفهم السلف الصالح له. إن أخشى ما أخشاه في مثل هذه الأوقات استغلال عاطفة الشباب مع ما يرونه من مظاهر سفك دماء المسلمين واحتلال أراضيهم وسحق كرامتهم وعدسات المصورين تلتقط ما يجري، والشبكة العنكبوتية تنشر في ظل صمت عالمي، دعوتهم إلى عولمة الجهاد، وإلى الجبهة العالمية لمقاومة اليهود والنصارى، من جانب من لا يعرف بالعلم ويتوارى في عالم المجهول، من دون ضبط للجهاد ب«سبيل الله» وتفريق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب الذي جاءت نصوص الشريعة بالتفريق بينهما، فالأول أوجبته جميع المذاهب الفقهية والشرائع السماوية ودساتير الأرض وتاريخ الأمم لمدافعة الباغي والمحتل، ولولا ذلك لفسدت الأرض، والثاني منهما له أحكام وتفريعات تستوجب علينا أن نناقش فيه العالم، خصوصاً شباب المسلمين. فما أحوجنا اليوم إلى لقاءات علمية حوارية مباشرة حضورياً أو إلكترونياً عن مفاهيم في الجهاد في سبيل الله يقدمها علماء الأمة من جميع المذاهب الفقهية، وإلا أحسن الله عزاءنا في فكر بعض أبنائنا.وهل سينعم العالم الإسلامي بفرحة توازي فرحة الدولة العظمى بمقتل ابن لادن حين تعلن أميركا سحب قواتها من أفغانستان لزوال مبرر الغزو الأميركي على أفغانستان، أو أن هناك مبررات أخرى لم تعلنها الدولة العظمى؟ وهل ستُزال العقبات من طريق المسلمين الأميركيين لينعموا بالعدالة والسلام في أرض الديموقراطية؟ * أكاديمية سعودية [email protected]