قبل 140 سنة، في 7 كانون الأول (ديسمبر) 1877، قدم المخترع الأميركي توماس إديسون أحد اختراعاته إلى البشرية وكان جهاز الفونوغراف أو الغرامافون وهو أول جهاز لتسجيل وإستعادة الصوت، وعُد آنذاك طفرة في مجال الصوتيات لما له من قدرة على التسجيل والاستعادة للأصوات في الوقت نفسه، وتكوّن الجهاز من بوق كبير وإبرة وقرص دوار يدور فوق محور وضع داخل صندوق خشبي. فوق أحد الحواجز الممتدة على جانبي الطريق في شارع هدى شعرواي في منطقة وسط البلد بالقاهرة، وضعت طاولة رباعية ذات ارتفاع محدود احتل سطحها جهاز الفونوغراف في شموخ وتحدٍ ضد حداثة الأجهزة العصرية لتسجيل وإعادة الأصوات، بهيٌ في مظهره بما زينت به جوانبه الأربعة لوعائه الخشبي الخارجي من حلي تفنن العامل البشري في صنعها، ما عزز بقاءها منذ أواخر القرن العشرين على حالتها الأولى حتى اليوم. يشتهر شارع هدى شعرواي بالمحال التجارية المتخصصة في بيع التحف الأثرية والأنتيكات، وعدت عائلة زينهم من رواد هذه التجارة، وتزامن عرض مجموعة من جهاز الفونوغراف داخل أحد المحال التابعة لهذه العائلة مع مرور ما يقرب من قرن ونصف القرن على اختراع هذه الجهاز، وفق المدير المسؤول هاني حسن زينهم، أحد الأحفاد، في محل غاليري فرانس. ويقول هاني ل «الحياة»: «نحن من أوائل العاملين في مهنة بيع التحف الأثرية والأنتيكات في منطقة وسط البلد وبالتحديد في شارع هدى شعراوي الذي تنتشر على جانبيه محال العائلة التي تحمل اسم «زينهم»، ويغلب على ما يُعرض في المحال التابعة لنا كل ما شارف على الانقراض أو انقرض فعلياً. ويمثل الفونوغراف أو الغراما فون إحدى هذه التحف المنقرضة، على رغم أن هناك أجهزة صنعت حديثاً، لكن الاختلاف بين القديم والحديث يتمثل في جوانب عدة من بينها الجودة في التصنيع، لذا تتباين اختيارات كل من يهوى اقتناء هذا النوع من الأجهزة». بعد نجاح تجربة إديسون غزا الاختراع الجديد العالم، ونشأت بفضله صناعة الأسطوانات التي كانت تصنع في البداية من مادة الشمع، وتطورت بعد ذلك باستخدام المعادن فيها. يختلف الاستماع إلى أغاني عبده الحامولي أو سيد درويش عبر جهاز الغرامافون، عن الاستماع إليها عبر الأجهزة الحديثة. ويوضح هاني: «يُعد جهاز الغرامافون الشاهد على العصر في حقبة محددة، لذا يشكل جزءاً من تراث الأغنية المصرية، ما يؤكد أن الاستمتاع في اقتناء هذا الجهاز لا يقتصر على مشاهدة التراث بل يشمل الاستماع، فتسجيل الأغاني في مطلع القرن العشرين كان يجري في أجواء تختلف كلياً عن أجواء التسجيل الحديث وما يتم استخدامه من تقنيات، لذا هناك فارق بين الاستماع إلى الأغنية عبر أسطوانة في جهاز الغرامافون والاستماع عبر أسطوانة مدمجة توضع في كومبيوتر أو غيره». استخدمت للمرة الأولى في مصر التسجيلات الصوتية للمطربين باستخدام الغرامافون مطلع القرن العشرين، وسجل باسم الفنان عبده الحامولي وآخرين نحو 15 تسجيلاً صوتياً، بات نادراً الحصول عليهما اليوم. وعُد وجود الغرامافون في البيت المصري آنذاك من مظاهر الثراء، نظراً الى كونه أداة ترفيهية تستخدم في جلسات السمر والاحتفالات الكبرى وفي الرحلات. ولفت هاني إلى أن ما يميّز جهاز الغرامافون عن الأجهزة التقنية الحديثة المستخدم في تسجيل الأصوات واستعادة الاستماع إليها، أن هناك بعض الأنواع التي تُستخدم دون الحاجة إلى إمدادها بالتيار الكهربائي، ومنها «مستر فويس 102»، «كولومبيا»، و «تيرافونكو».