وسط دندنات حجازية خالصة، وتحت قبة بيت «جداوي»عتيق، يستلهم روح العروس وعبقها الخالد، رسم الشاعر الزميل عبدالهادي صالح أولى خطوات مساره الأدبي الغض، بعد إطلاقه أخيراً مولوده الشعري الأول «في انتظار الغيوم». واستهل الشاعر صالح أمسيته الأدبية، التي نظمتها جمعية الثقافة والفنون بجدة، في «متحف رؤوف خليل»، بقراءة عدد من نصوصه الشعرية التي ضمها ديوانه، واستلهم من خلالها كل دلالات الانتظار في ظل الغيوم، وأصوات الغدير، وتحليق الطيور، وسيقات النخيل، وغيرها من المفردات المؤثرة التي حفلت بها نصوص الديوان الشعرية. وأشار الدكتور يوسف العارف إلى اللغة «الغيمية» التي استخدمها الشاعر في نصه بمفهومهما اللاممطر. وقال خلال حديثه عن النص ناقداً: «دل تناول مفردة الغيوم أكثر من ست مرات، على ما شكله هذا العنصر لدى الشاعر من قضية شعرية احتوتها بعض نصوص المجموعة، وسلط الضوء على ماهية هذا السر الذي يمكن من خلاله أن نكاشف هذا النص الشعري». ولفت عارف إلى أن إيماءات التخيل والرسم، التي حاكت نصوص الشاعر «كانت دلالات ذات حضور، ومنحت المفردة معاني وتأويلات قد تشي عن اللاوضوح أو العلوية السماوية أو الجوانب المخفية أو السحباوية التي لا تفضي إلى غيث أو مطر، ممثلاً في أحد النصوص «نخلة تستريح إلى ظلها». وفي نص آخر، «يرسم الآن عرعرة، وغديراً، وطيراً تحي الغمام»، موضحاً أن الشاعر استوحى في مقدمة كتابه مقولة الشاعر الفرنسي «لمارتين»، «إن شمس الأحياء لا تدفئ الموتى قط». وأثارت موهبة أحد الشبان، سعود الشريف، ذائقة الحاضرين من كتاب ومثقفين، وهو يتداخل مع الشاعر بتابلوهات فنية وتقاسيم موسيقية من عمق التراب الحجازي ذات أصالة وعمق، ومنحت بُعداً آخر للقصائد الملقاة، وأضفت جواً من المتعة داخل قاعة المتحف. من جانبه، تناول الفنان والناقد التشكيلي عبدالله إدريس الكتاب من وجهة نظر بصرية، وتوقف عند غلاف الكتاب، من خلال بعض النصوص التي احتوت على رسم بالكلمات، رابطاً بينها وبين الذكاء البصري للشاعر في قضية الطقس والغيوم، التي تشكلت في مجمل نصوص الكتاب. واتكأ إدريس في نقده للكتاب على كيفية الوصول إلى الممكن، من طريق استطاعة الشاعر أن يحول الطقس من ظاهرة كونية، إلى قضية شعرية بحتة، مستشهداً ببعض النصوص الشعرية التي وردت في ثنايا ديوان «في انتظار الغيوم».