كان لافتاً الإعلان المدفوع القيمة على حوالى ربع صفحة أمس في صحيفة الرياض عن مكافأة مالية لمن يعثر أو يدل على سيارة «مفقودة»، وبالطبع الجميع يعرف أنها «مسروقة» لكن استخدمت عبارة مفقودة لتلطيف الرسالة الموجَّهة إلى أشخاص وجهات عدة. قبلها رأيت مرتين أو ثلاث مرات إعلانات صغيرة لفقد شاحنات كبيرة ومكافآت تصل إلى 50 ألف ريال لمن يدل عليها «أياً كانت حالتها»! ما هي هذه الإعلانات؟ البعض يعتقد أنها موجّهة إلى «الحرامي»، وفحواها أنك بدلاً من أن تتعب نفسك في محاولة بيعها في السوق السوداء كاملة أو مفككة، ودخولك في متاهات كثيرة، أرجع ما سرقت وخذ المبلغ الذي يقارب ما ستحصل عليه من هذه السرقة. كيف يمكن قراءة هذا الإعلان: مرحلة متقدمة من الاتصال الجماهيري؟ مرحلة متأخرة من اكتشاف قوانين سوق السرقة؟ رسالة إلى الشرطة لمزيد من الاهتمام؟ رسالة إلى المجتمع لمزيد من الحرص؟ تساؤلات مبطَّنة عن سبب زيادة السرقة؟ ونقصان وازع عدم القيام بهذه الجريمة الكبيرة التي فيها آية صريحة بحدٍّ شرعي لا يقبل التأويل إذا انطبقت شروطه وضوابطه؟ نقص الوازع الديني إجمالاً وفشل الخطاب التربوي والدعوي في زرع القيمة لدى الشباب؟ هذه الإعلانات يمكن أن تفتح الباب واسعاً أمام كم هائل من العمل الميداني، والدراسة النظرية وتغيير آلية التعامل الإجرائي والقضائي مع السرقة، فنحن نعي أن تزايد السكان، وتوسُّع المدن أسرع من النمو في موارد الشرطة ومراكزها وأفرادها، لكن أيضاً هناك من الناس ومن رجال الأمن في الميدان من يجب أن نناقش أفكاره، فبعضهم يرى أن الأحكام ليست رادعة، وأن نسبة كبيرة من «الحرامية» هم عائدون إلى الجريمة وليسوا مرتكبيها للمرة الأولى؟ طريقة الإعلان على الملأ أو في مجتمعات شبابية خاصة تفلح مع سرقة السيارات، أما سرقة البيوت مثلاً فلا تفلح معها هذه الطريقة، لكن إجمالاً أتفاءل بأن الوظائف الأمنية التي خصصها القرار الملكي لوزارة الداخلية ستسهم جزئياً في نشر أكثر لقوى الأمن، خصوصاً الشرطة والمباحث، وأتفاءل بأن العقوبات ستزداد صرامة، خصوصاً مع المصرِّين على الإجرام، ومكرري انتهاك حرمة مال وبيوت الناس. أتفاءل أيضاً بأن تدرس الجهات المختصة أفضل آلية ممكنة للاستفادة من الشركات الأمنية القائمة التي توفّر الحماية للمنشآت، لتقديم خدماتها للمساكن والأحياء الراغبة في ذلك، والتي تمكّن سكان مربع أو شارع من فرض رقابة ليلية دائمة ستسهم بلا شك في الحد من السرقات. عندما يناقش الناس القضية في مجالسهم لا تبتعد أفكارهم عن أربعة إلى خمسة محاور: أن السارقين مدمنو مخدرات، عاطلون عن العمل، وأن عدم قطع أيديهم يشجعهم وغيرهم، وأن الشرطة عاجزة - بتعبيرهم - ثم تبدأ حفلة تسويق الكاميرات والأقفال وحلول تحويل المنازل إلى قلاع. [email protected]