بدأت الأزمة الاقتصادية تأخذ أبعاداً سياسية خطرة في كردستان لها انعكاسات على وحدة المؤسسات، مع تصاعد التظاهرات ضد الطبقة الحاكمة، إذ استقالت حركة « التغيير» و «الجماعة الإسلامية» من الحكومة، فيما سعت أجنحة حزب «الاتحاد الوطني» إلى توحيد صفوفها خوفاً من فقدان سيطرته على معقله الأساس في السليمانية، التي تشهد أعنف الاحتجاجات. ولم تكشف السلطات مكان ولا ملابسات اعتقال رئيس حزب «الجيل الجديد» شاسوار عبدالواحد الذي تصدّر حركة الاحتجاج، واختفى فور وصوله إلى مطار المدينة. وعلى رغم الاعتقاد بأن قوات حكومة الإقليم التي يرأسها نيجيرفان بارزاني تحاصر المحتجين، فإن القوى الأمنية في السليمانية هي التي تضطلع بالمهمة، كونها منفصلة تماماً عن أربيل وتخضع لأوامر قياديين في «الاتحاد الوطني» وعائلة الرئيس الراحل جلال طالباني. ويبدو أن خلافات عصفت بالحزب بعد انشقاق عدد من قادته بدأت بالتراجع، لمواجهة التحدّي الذي تمثله تظاهرات يقودها ناشطون شباب يدعمهم حزب «الجيل الجديد» بقيادة عبدالواحد. وأعلن «التغيير» و «الجماعة الإسلامية» انسحابهما من الحكومة احتجاجاً على قمع التظاهرات، ما يؤشر إلى اصطفافات جديدة في الإقليم. وبعد توتر في العلاقات بين الحزبين الرئيسين (الديموقراطي والاتحاد) واتهام رئيس الإقليم قادة في حزب طالباني بالخيانة لعقدهم اتفاقاً سمح بدخول القوات الاتحادية كركوك، أتت الحوادث الأخيرة لتجمع الحزبين حرصاً منهما على «حماية الوضع»، وهذا التعبير استخدمته حكومة الإقليم، فيما سيكون على «التغيير» وبعض القوى الإسلامية إما الاصطفاف مع التظاهرات وتصعيدها أو اتخاذ موقف محايد. وعلى رغم عدم إدلاء السلطات الأمنية في السليمانية بأي تصريح عن عدد المعتقلين والتهم الموجهة إليهم، فإنها تشكو لجوء المحتجين إلى إحراق المؤسسات ومقار الأحزاب وتخريبها، وتحذر مما تعتبره «مؤامرة» على وحدة الإقليم تقودها قوى في الحكومة الاتحادية. وحملت رئيسة كتلة «التغيير» في البرلمان الاتحادي النائب سروة عبدالواحد سلطات السليمانية مسؤولية الحفاظ على سلامة شقيقها شاسوار، وطالبت ب «توضيح أسباب اعتقاله ومكان احتجازه والجهة التي اعتقلته»، لافتةً إلى أن «الاحتجاجات سببها القمع الذي تمارسه الأجهزة ضد المواطنين وفشل الحكومة في توفير الخدمات». وخاطبت المسؤولين المحليين قائلة: «أضفتم فشلاً آخر إلى سجلكم من خلال حملة الاعتقالات وغلق قنوات أن آر تي (المدعومة من شاسوار) بأسلوب بعثي ديكتاتوري»، ودعت حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي والمنظمات الدولية إلى «التدخل لوقف الاعتقالات». وأفادت مؤسسة «ناليا» للإعلام المشرفة على قنوات «أن آر تي» بأن «حوالى 100 مسلح تابعين لقوات الأسايش (الأمن) في السليمانية، هاجموا من دون إذن قضائي، مكتب المحطة وأهانوا عدداً من الصحافيين والعاملين فيها وأوقفوا البث واعتقلوا رئيس المؤسسة». وأفاد مواطنون في السليمانية بأن بعض شبكات الإنترنت وخطوط الاتصالات قُطِع. وأُعلن في منطقتي كفري وجمجمال حظرُ للتجول حتى إشعار آخر، تحسّباً لانفلات الوضع. ووُضعت الأجهزة الأمنية في حال إنذار قوي، ونقلت الإدارة في القضاء صلاحياتها إلى السلطة العسكرية، وحذرت المخالفين من التعرض ل «أقسى العقوبات»، وقرّرت تعطيل الدوائر الحكومية باستثناء الأمنية والصحية. وورد في بيان لحزب «الاتحاد الوطني» أن «شعبنا يمرّ بمفترق سياسي مصيري، فيما المؤامرات واضحة، إحداها استمرار الحصار على الإقليم وإطالة أزمة الرواتب، لكن مع الأسف تسببت مجموعة فوضوية بحصول أعمال شغب تحت ذريعة التظاهر». وأكد أن «هناك مئات من الأدلة تثبت قيام جماعات مختلفة باستخدام السلاح والعمل على حرف مسار التظاهرات». على صعيد آخر، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» بأن عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا خلال تحرير الموصل يراوح بين 9 و11 ألفاً، بينهم أكثر من 3200 ضحية سقطوا بقصف القوات العراقية أو غارات التحالف الدولي.