لماذا تحترم قانون الآخرين، ولا تحترم قانونك؟ ربما كانت الإجابة مستمدة من المثل العربي: «يا غريب كن أديب». وقد يكون الخوف سبباً، كما أن احتمال «ضعف الرادع» موجود أيضاً، إذ لا شيء يجعل القانون محترماً سوى تطبيقه بصرامة. ترى هذه الصورة واضحة في شبان سعوديين، درسوا خارج السعودية، فاحترموا قوانين الدول التي درسوا فيها، لكنهم عادوا إلى السعودية، وعادوا إلى عادتهم القديمة: عدم احترام القانون في بلدهم. لماذا؟ يعلل المبتعث السعودي ماجد المحمود هذ التناقض بالتزام العامة في الدول الغربية بالنظام، وهو ما يجبر الضيف على اتباعه أيضاً. ويقول: «نرى الغالبية ملتزمة ما يجبرنا على الانصياع للنظام». ويضع مسبباً آخر «للانفصام» في تطبيق القانون: «وضوح الأنظمة والقوانين يعد من أهم الأمور التي تساعد على الالتزام بها، إذ يسهل عليك معرفة حقوقك وما يترتب عليك من واجبات». الفوضى الناتجة من عدم الالتزام في السعودية بالقوانين والأنظمة أثارت استياء المحمود: «حاولت أن التزم بالأنظمة والقوانين، لكنني اكتشفت أنني أصارع بحراً»، مبرراً عدم التزامه شخصياً «بأن الغالبية تجبرك على مجاراتها وإلا فلن تكون واحداً منهم». ويتفق ياسر عبدالعزيز معه من ناحية تأثير الغالبية على سلوك الفرد، ويعتبر أن ذلك له دور مهم: «كثيرة هي الأسباب التي تقف وراء احترامي للقوانين في الدول الغربية أهمها التزام الغالبية بها، والشدة في القوانين والخوف من العقاب يأتي ثانياً». «غياب الرقيب وعدم الإخلاص في العمل هو السبب الرئيسي لعدم الانضباط»، يقول عبدالعزيز، ويضيف: «تسيب القائمين على تطبيق القانون يغيب الرقيب ويسبب الفوضى». أحمد عبدالعزيز من جهته يرى أن المعادلة بسيطة لفك اللغز وراء عدم الالتزام بالقوانين ف»من أمن العقوبة أساء الأدب»، مشيراً إلى أن عدم المبالاة هي النتيجة الحتمية إذا انعدمت العقوبة. كما يجد أن من الأسباب أيضاً تأثير سلوك الجماعة على الفرد، «وينطبق ذلك على من لا يملك حس محاسبة النفس ومراقبتها». «يا غريب كن أديب» يقول عبدالله العتيبي، ويضيف: «انتقال الشخص من مجتمع إلى آخر يحتم عليه في البداية التطبع بطباع المجموعة الجديدة». ويتابع: «أضف إلى ذلك صعوبة المخالفة الانفرادية في المجتمعات الغربية، فعدم انضباط شخص ما أمام جمع من الأشخاص المنضبطين يؤدي إلى شعوره بالدونية، ناهيك بسهام نظراتهم الجارحة». ويعزو ثامر الطاسان عدم التزامه الكلي بالقوانين في السعودية إلى عدم تطبيقها أصلاً: «بعد رجوع المبتعثين إلى أوطانهم يبدأون بالتنازل عن التزامهم تدريجاً، لأنهم لا يجدون من يطبق هذه الآداب في بلدانهم على أكمل وجه». ويضرب مثلا قيادة السيارات: «اضطررت إلى أن أغير طريقة قيادتي للسيارة، وفقاً لما يناسب السعودية مع حفظ الآداب العامة للطريق والسبب أن غير النظاميين يجبرونك على ذلك». ويشير باسل الطاسان الى أن السر وراء الالتزام في الدول الغربية يكمن في صرامة تطبيق القوانين: «الدليل على ما أقول هو نظام ساهر المروري، الذي يسجل المخالفات المرورية الكترونياً عبر كاميرات، فبعد تطبيق النظام تحسنت القيادة كثيراً وقلت الحوادث لعدم وجود مجال للتلاعب مع النظام». لكن يبدو أن للأمر زاوية أخرى، كما يوضح ناصر العمر الذي يؤكد ان «الإنسان عدو ما يجهل»، ويضيف: «كلنا عدو ما نجهل ونخاف من كل ما هو جديد. ففي بداية حياتي في أميركا كان الخوف من النظام يدفعني للالتزام، لكن عندما تأقلمت مع القوانين والأنظمة الجديدة، تحول الالتزام إلى عادة تأصلت في نفسي وثبتها المجتمع من حولي». ويرى الاستشاري النفسي الدكتور جمال الطويرقي أن السبب الرئيسي في عدم الالتزام بالقوانين والأنظمة بعد رجوع المبتعثين هو أن القوانين «لا تؤخذ بجدية من قبل المجتمع، وهو ما يجعل التزامهم صعباً إلى حد ما». ويشير إلى أن سياسة الثواب والعقاب لا تطبق بجدية، «وهو ما يجعل الشخص يستهين بالقوانين وتطبيقها» حسبما يقول ضارباً مثلاً قرارات منع التدخين في الأماكن المغلقة والمطارات: «قوانين المنع سُنت منذ أكثر من 15 عاماً ولا يزال خرقها سارياً».