يتناول الكتاب الشهري 129 لمركز المسبار للدراسات والبحوث، موضوع «الدولة في التنظير العربي والإسلامي: التأصيل والتحديات»، مستعرضاً حضور الدولة في النقاشات الفقهية والأدب السلطاني والفلسفة، آخذاً في الاعتبار السياقات التاريخية المعاصرة، بدءاً بالخلاصات التي أرساها بعض أقطاب الإسلام السياسي مروراً بالدولة في الفكر الليبرالي العربي، وصولاً إلى كتابات المؤرخ المغربي عبدالله العروي الذي يُعد من أبرز المنظرين لمفهوم الدولة في المجال العربي المعاصر، وذلك بمشاركة عدد من الباحثين المختصين. ويعتقد عبدالجواد ياسين، وهو قاضٍ ومفكر مصري، في دراسته «التنظير للدولة بين الفقه والأدب السلطاني والفلسفة»، أن النظرية السياسية لم تنشأ ترجمةً لنص، بل كإفراز مباشر للواقع السياسي، مشيراً إلى أنها «لم تقدم نفسها جملة واحدة قبل الزلزال السياسي المعروف بالفتنة الكبرى، بل كانت تسفر عن مفرداتها واحدة بعد الأخرى استجابة للتداعيات الناجمة عن هذا الزلزال، أي كرد فعل للتطور في شكل النظام السياسي وعلاقة الدولة بالمعارضة». ويضيف أنه «يمكن الحديث عن دول ثلاث متعاقبة بثلاثة أشكال للسلطة تحت مسمى الخلافة: الأولى: دولة الراشدين التي نتجت من السقيفة، والثانية: هي الدولة الملكية التي انبثقت من الفتنة الكبرى، والثالثة: دولة التفويض السلطانية التي أنشأها البويهيون في القرن الرابع»، مؤكداً أن التنظير لم يبدأ إلا بعد انتهاء الدولة الأولى، وأخذ يتشكل خلال الدولة الثانية، وانتهى عملياً قرب زوال الدولة الأخيرة. ويقصد بذلك ياسين أن تاريخ التنظير لم يتطابق مع تاريخ الدولة منذ البداية، وهو يستعيد أحياناً -كرد فعل لاستفزاز الواقع- حوادث الماضي للبناء عليها بأثر رجعي، وفي أحيان أخرى، يكرس المفاهيم الصادرة أيضاً عن اعتبارات الواقع ثم يصدرها إلى المستقبل بعد خدمتها إسنادياً (بالتنصيص غالباً) وإخراجها فقهياً، فعلى مدى حقبة التنظير المبكرة ظلت القنوات مفتوحة بين «الفقه» و «التحديث» و «المحازبة السياسية». وتناول الكاتب السعودي محمد الدوسري، مفهوم الدولة في الفقه والمقاصد الكلية العامة للشريعة الإسلامية في دراسة تهدف إلى عرض ومناقشة المبادئ والأطر الفقهية الناظمة للسياسة الشرعية في الإسلام. ويستعرض الدوسري في دراسته البيعة في اللغة والشرع وشكلها وشروط كتابتها وأحكام البيعة والخلافة، ويبين الأسباب الموجبة لأخذ البيعة كما يراها الفقهاء، وكيف يعقد للإمام ومن يعقد له، وطرق انعقادها، ومن هم أهل الحل والعقد، وما هي شروط الإمامة، وواجبات الإمام وحقوقه. ويختتم الدوسري دراسته بقوله إن الفقهاء قرروا أن الدولة من خلال النصوص الشرعية والمبادئ التي نصت عليها النصوص ذات المرجعية لتأسيس العلاقات بين الحاكم والمحكوم، هي رباط ووثاق ديني تنظمه النصوص الشرعية من خلال مفاهيم البيعة والخلافة، ومن خلال الوقائع والأحداث التي قررها المشرع في وقت التشريع، لذا فإن الدولة لا تخرج عن هذه الحقيقة لدى الفقهاء الذين كتبوا في السياسة الشرعية والإمامة، وعليه فإن استنطاق الفقهاء عن حقيقة الدولة لا يتجاوز هذه القواعد، ومن حاد عنها يتوسع: فإما متعسف أو تنقصه الدربة والدراية لما قرره الفقهاء الذين تأسست المذاهب الفقهية من خلال تصوراتهم ورؤاهم. ومركز المسبار للدراسات والبحوث هو مركز مستقل متخصص في دراسة الحركات الإسلامية والظاهرة الثقافية عموماً، ببعديها الفكرى والاجتماعي السياسي.