«لا لسورية... لا للدستور، لا لكل الاتفاقات التي وقعت عليها سورية... نعم للطوائف والطائفية!» هكذا عنون مرصد «نساء سورية»، وهو مرصد الكتروني حر يهتم بقضايا المجتمع، افتتاحيته الأسبوع الفائت لمناقشة مسودة قانون الأحوال الشخصية السوري الجديد الصادرة بتاريخ 5/4/2009، والتي ضربت آمال كل المعنيين بقضايا الطفل والمرأة عرض الحائط! لم يعالج القانون القضايا الساخنة والملحة مثل سن الحضانة والتبني وزواج القاصر، ولم يسْمُ بقضايا المرأة والطفل إلى مكانها الطبيعي كحقوق وطنية وعامة، بل أخضع وباعوجاج مفاجئ أحكام الزواج وكل آثاره الملموسة إلى طائفة كل مواطن، وفرّق بين مسلم ومسيحي ودرزي، فأعاد سنين من حملات نضال الجمعيات الأهلية والمجتمع المحلي إلى نقطة الصفر، ونثر للريح الحلم ببيئة قانونية آمنة تحمي المرأة من الاغتصاب ومن جرائم الشرف وتجنب الطفل التشرذم بين حضانة أبويه! وعلى رغم إفراد مواد خجولة لمسائل متعلقة ببعض من حقوق الطفل وتلك الخاصة بتأسيس دائرة تتولى قضايا الأيتام وأيضاً صندوق خاص للتكافل الأسري، لم يسْمُ مشروع القانون إلى كفاح المهتمين من السوريين والسوريات والذين راكموا كومة أحلامهم بعناية فائقة ودافعوا عنها باستبسال لأجل سورية المواطَنة، سورية الحضارة، بل جاء الرد انتهاكاً صارخا للقوانين والتشريعات والاتفاقيات الدولية، وفي المرتبة الأولى انتهاكاً لأحكام الدستور السوري الذي ينص في المادة 25 منه على أن جميع المواطنين السوريين متساوون أمام القانون من دون تفرقة بين دين أو جنس أو عرق!.. جاء الرد قانوناً يقسم النساء والأطفال والرجال كل بحسب طائفته، ولكنه يتعدى حتى على الحقوق الدينية الخاصة بكل طائفة ويترك الاختصاص ضائعاً بين محكمة مدنية ومرجع روحي وأيضاً نيابة شرعية! لم يسن المشروع قانون زواج مدني يحترم حق المواطن باللجوء إلى مرجعه الديني، بل سحبت مواده المتخبطة من الكنيسة اختصاصها بتنظيم عقود الزواج وحولتها إلى موظف تابع لوزارة العدل بينما أبقت في الوقت ذاته، على بعض القضايا المتعلقة بأحكام وآثار انحلال الزواج تحت سلطة المحكمة الروحية الخاصة بكل طائفة، ثم جاءت تلك الأحكام التي تهزأ من أبسط مبادئ حقوق المرأة المتمدنة، فسمحت بتعدد الزوجات للمسيحي أو «الذمي»، كما يسميه هذا التشريع الجديد، ولكن إلى حد ثلاث زوجات على الأكثر. وفرضت ما يسمى «بالعدة» وهي الفترة التي يجب على بعض المنفصلات عن الزوج بطلاق أو موت أو غيرهما، الانتظار فيها وعدم الاقتران مجدداً، على الزوجة المسيحية أو «الكتابية»، بحسب مواد القانون، وهو ما لم يكن معتمداً وفق الكنيسة، بينما حرم القانون وبشكل مباشر تعدد الزوجات عند الطائفة الدرزية! أبقى مشروع القانون أيضاً على إمكان زواج الصغير بعد إتمامه الخمس عشرة سنة والصغيرة بعد إتمامها الثالثة عشرة، كما أبقى على أحكام نفي النسب من طريق اللعان للمسلمين وأفرد مواد متخصصة (215 -221)، لتنظيم أحكام اللعان، وهو ما يعرف بأنه شهادات مؤكدة بالقَسم، تجري بين الزوجين في مجلس القاضي، من أجل نفي النسب عن الطفل الذي يشك الأب بأنه ليس من صلبه، من دون اعتداد بأي فحوصات مخبرية، بل بالحكم القاطع بالتفريق ونفي النسب عن الصغير بعد القسم أو الحلفان مباشرة. وتحتاج مسودة هذا القانون الطويلة، والتي لا تزال تتقدم باتجاه الإقرار بعد تعميمها من قبل رئاسة الوزراء على كل وزارات الدولة لإبداء الرأي، لصفحات وصفحات من الدراسة والنقد وأيضاً تحتاج آمالنا الخائبة الغاضبة للبوح بالكثير الكثير من اللوم والعتب. ألم يكن من الأجدى أن نحذو حذو دول إسلامية وعربية كانت تشريعاتها الجديدة نقطة تحول في إصلاح وضع المرأة، كالمغرب مثلاً الذي اعتمد منذ عام 2004، مدونة أسرة جديدة تضع النساء على انتماءاتهن كافة في موقع مساو للرجل، في ما يتعلق بالزواج والأطفال. وتضع العائلة تحت المسؤولية المشتركة للزوج والزوجة بدلا من حصرها بالزوج فقط. رفع قانون الأحوال الشخصية المغربي الحد الأدنى لعمر الزواج إلى 18 سنة، فقيد بذلك حالات الزواج المبكر، كما أقر بقواعد الاشتراك في ملكية العقارات بين الأزواج ووضع قيوداً شديدة على تعدد الزوجات فضلاً عن أنه عالج موضوع ميراث المرأة كما اعترف بالأطفال الذين يولدون خارج رباط الزواج وبسّط إجراءات إثبات الأبوة، والأهم أنه أزال اللغة المهينة للنساء في قانون الأحوال الشخصية القديم وتجنب وصفها بالموطوءة والمنكوحة والضرة! أبقيت أوصاف العصر العثماني في مسودة قانون القرن الحادي والعشرين، ولم يشبع نظرة حسد للمرأة المغربية لتمتعها بقانون يحميها، ويحمي طفلها ويكرس مفاهيم مدنية لها أثر طويل الأمد. ولم يزد إصرار المشرّع على الرجوع بحقوقنا إلى الوراء إلا إصراراً على مناهضة هذا العمل المجهول النتائج! «مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، التقدم إلى الخلف»، «مشروع قانون الحط من المرأة والطفل وتفتيت سورية»، «مشروع قانون لقتل الشخصية الحرة الواعية!» عناوين تتصدر الصفحة الرئيسية في مرصد نساء سورية، www.nesasy.org، في حملة مكثفة لمحاولة سد الطريق على مشروع القانون «الحديث»، ولعل الجدير بالذكر أنه تم أيضاً تقديم أربع مذكرات احتجاجية من قبل جمعيات ناشطة في مجال قضايا المرأة والطفل إلى الجهات المختصة، علها تجد صدى، كما أحكام هذه المسودة، وعلها تبقى مسودة، فالسوريون والسوريات يستحقون قانون أسرة أكثر رقياً!