أكدت مصادر سياسية مواكبة للاتصالات الجارية في شأن تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة أن محاولات إزالة العقبات التي ما زالت تؤخر ولادتها تجددت في الساعات الأخيرة. وقالت إنها انطلقت من ضرورة تطويق الارتدادات السلبية المترتبة على الهجوم الذي شنه رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والعمل على استيعابها لقطع الطريق أمام عودة المشاورات الى المربع الأول الذي أدى الى الاتفاق على أن تشكل الحكومة من 30 وزيراً. وكشفت المصادر نفسها ل «الحياة» أن اتصالات التهدئة التي شاركت فيها قيادتا حركة «أمل» و «حزب الله»، تزامنت هذه المرة مع عودة رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط من دمشق بعد اجتماعه بمعاون رئيس الجمهورية السورية اللواء محمد ناصيف في حضور وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال غازي العريضي. وقالت إن الاتصالات شملت الرئيس سليمان إضافة الى العماد عون الذي تواصل من خلال وزير الطاقة جبران باسيل مع المعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل، لا سيما أن بعض حلفاء «التيار الوطني الحر» فوجئ بارتفاع لهجة خطاب عون الذي أخذ في طريقه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي. ولفتت المصادر الى أن الساعات المقبلة ستنبئ ما إذا كانت هذه الاتصالات شكلت رافعة سياسية لمعاودة التواصل من أجل ولادة الحكومة أم انها ستنتهي مثل سابقاتها الى طريق مسدود يعيد الأمور الى نقطة الصفر. وأوضحت مصادر متعددة معنية بتذليل العقبات أمام التركيبة الحكومية، أن دمشق مع الإسراع في ولادة الحكومة وهي تدعو الى تسهيل الطريق أمام تظهيرها الى العلن لكنها تأبى التدخل المباشر في الوقت الحاضر وتترك ل «حزب الله» مهمة السعي لدى عون من أجل «تنعيم» موقفه خصوصاً أنه يتفهم وجهة نظر ميقاتي لكنه يتفادى الدخول مع حليفه «التيار الوطني» في صدام لما للأخير من مواقف أمّنت الغطاء له في أحلك الظروف السياسية وفي أشد الحملات التي كانت تستهدفه. ولم تستبعد المصادر عينها أن يكون لدمشق في ظل الأحداث التي تمر فيها، رؤية بخصوص تأليف الحكومة غيرها قبل اندلاعها، و «بالتالي لديها التوقيت السياسي المناسب الذي يؤثر إيجاباً في تقرير مصير الحكومة». وأكدت أن للتوقيت السوري في مسألة الحكومة اللبنانية الجديدة ظروفه الإقليمية والدولية، ولا يمكن حصره في تنافس داخلي على توزيع الحقائب والحصص. وتابعت: «الحكومة سترى النور عاجلاً أم آجلاً لكن متى وكيف فهذا متروك للتوقيت السوري بالدرجة الأولى على رغم أن دمشق تتمنى على حلفائها التدخل ليس لتبديد أجواء الاحتقان وسحب فتيل التوتر السياسي ومصدره الرابية مقر إقامة عون، وإنما للإبقاء على المناخ المؤاتي لولادة الحكومة عندما يتخذ القرار في شأنها». وأوضحت المصادر أن ميقاتي يطمح الى تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد وأنه مع الإسراع وليس التسرع، لكن العقدة الأساسية تبقى في إصرار عون على أن يتولى وزارة الداخلية نائب زحلة السابق سليم عون. وأضافت: «عون يتمسك بوزارة الداخلية وبالتالي يرفض البحث عن بديل وسطي يفتح الباب أمام جوجلة مجموعة من الأسماء يترك لرئيس الجمهورية اختيار أحدهم لهذه الوزارة». ولفتت الى أن سليمان يصر على تولي الداخلية وزيرها الحالي زياد بارود في مقابل تمسك عون بتوزير أحد قادة «التيار الوطني». وقالت إن مجرد استعداد «الجنرال» لتليين موقفه سيدفع بعدد من القوى السياسية الى التحرك باتجاه رئيس الجمهورية والتمني عليه بموقف مماثل «ولا نظن أنه لن يستجيب للمساعي الوفاقية لتسريع ولادة الحكومة». وقالت إن رفض إسناد الداخلية الى «التيار الوطني» لا يقتصر على رئيس الجمهورية، «إذ إن هناك قوى سياسية لا تؤيد خيار عون في هذا الشأن لأنها لا تحبّذ المجيء بشخص الى الداخلية ينتمي الى فريق سياسي في ظل الدور الموكل الى الوزارة لإعداد قانون انتخاب جديد، إضافة الى مخاوفها من لجوء الوزير الى سياسة التشفي ضد أبرز الرموز في قيادة قوى الأمن الداخلي، خصوصاً أن عون يتحدث عنها بمواقف تغلب عليها الكيدية». واعتبرت المصادر أن الوضع الداخلي لا يشجع على إسناد الداخلية الى عون، ولا الظروف الخارجية المحيطة بلبنان تتحمل مثل هذا الخيار الذي ينم عن قرار مسبق بالدخول في مواجهة سياسية مفتوحة مع «تيار المستقبل» بزعامة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. كما أن المصادر السياسية المواكبة لاتصالات التأليف لفتت الى أن حلفاء لعون وقوى أخرى في الأكثرية الجديدة عبروا عن موقفهم بصراحة لقيادة «التيار الوطني» من أنهم لا يتحمّلون إسناد الداخلية الى واحد منه. وأكدت المصادر أن ميقاتي «صامد على موقفه ولن يتزحزح عنه وهو يدعم الرأي القائل بتشكيل حكومة موزونة ومتوازنة لكنه ليس في وارد التنازل عن صلاحياته أو السماح بالتسلط عليه»، مشيرة الى أن الرئيس المكلّف أعد منذ الأيام الأولى لتسميته رئيساً للحكومة لائحتين بتشكيلتين وزاريتين الأولى سياسية من 30 وزيراً تتمثل فيها الكتل النيابية بأوزانها الحقيقية والثانية نخبوية من 24 وزيراً من التكنوقراط. وقالت إن فكرة تشكيل حكومة أمر واقع سياسية راودت ميقاتي في السابق لكنه تردد في المضي فيها خوفاً من انسحاب وزراء «حزب الله» وعون منها، إضافة الى أنه فكر بتشكيلة وزارية بديلة من التكنوقراط لكنه عدل عن قراره أمام احتمال قرار القوتين الحليفتين عدم منحها الثقة. وأوضحت أنه حاذر المضي في خطوته لئلا يذهب البعض الى الاعتقاد أو الترويج أن هناك صفقة سياسية أبرمت في السر بينه وبين القوى المناوئة للأكثرية. وفيما لم تجب المصادر عن موعد ولادة الحكومة باعتبار أن الدستور اللبناني لا يقيد الرئيس المكلف بمهلة زمنية لتشكيلها، أكدت أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري وجنبلاط مع تقديم كل التسهيلات لتأمين تأليفها لكنهما ضد الدخول في مشكلة بين الحلفاء، وأن «حزب الله» الذي يعمل لتدوير الزوايا مع «الجنرال» ليس بعيداً عن هذا الجو لكنه يأبى الدخول معه في أزمة أو اختلاف في الموقف.