مثّل توجه رئيس الحكومة الانتقالية الاستعانة بشباب الثورة في اتخاذ القرارات خطوة مهمة نحو انخراط الشباب في العمل العام، فيما بدا أن للشباب دوراً فاصلاً في حسم معركة الاستحقاق الرئاسي وهو ما ظهر جلياً في تسابق مرشحين محتملين في الانتخابات المقررة أواخر العام على استقطاب ودهم، في حين تسعى الائتلافات الشبابية إلى التوافق على قائمة «وطنية» تخوض غمار المنافسة على مقاعد البرلمان في الانتخابات المقررة في أيلول (سبتمبر) المقبل. قبل ثلاثة أعوام ظهرت حركة «شباب 6 أبريل «، والتي ضمت مجموعات شبابية اتخذت من مواقع الإنترنت وغرف الدردشة، مركزاً لحشد الناس خلف إضراب عام دعا إليه عمال في شركة الغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى (دلتا النيل) وسرعان ما صعد نجم الحركة، لكن مع توالي الضربات الأمنية التي وجهها الجهاز الأمني في النظام السابق، توارت للخلف، لكن الحركة ألقت حجراً في مياه السياسة المصرية الراكدة في ذلك الحين، وأظهرت جلياً مدى «ضعف» الأحزاب السياسية. ومنذ تاريخ 6 نيسان (أبريل) العام 2008، بدأ يتوالى ظهور الحركات الشبابية الاحتجاجية والتي تبنت في البداية مطالب فئوية سرعان ما علا سقفها لتصل إلى حد الهتاف ب «إسقاط النظام» في قلب ميدان التحرير خلال أيام الثورة المصرية. يقول الناطق الإعلامي باسم «6 أبريل « الناشط محمد عادل: «كان للإنترنت دوراً فاعلاً في التواصل مع زملائنا الشباب في مصر ودول الخارج، كما كان له دور كبير في نشر دعوات على نطاق واسع لحشد الناس، للنزول في التظاهرات التي كانت تطالب برحيل النظام»، لكن عادل يوضح ل «الحياة» أنه «خلال المرحلة المقبلة لن يقف عملنا عند التواصل مع الناس عبر وسائل الاتصال الحديثة، فمع الانفتاح الذي تشهده الحياة السياسية في مصر بات من الضروري أن يكون للحركة كيان فاعل ودور مؤثر في المشهد السياسي المصري»، مشيراً إلى أن أعضاء الحركة بلغ عددهم ما يناهز ال 20 ألف عضو، موزعين على غالبية المحافظات المصرية، ومعظم هؤلاء في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم. ويشير عادل إلى أن حركته ستظل «حركة ضغط شعبية» تستمد قوتها من الشارع المصري بحيث يكون لها دور في مراقبة عملية التحول الديموقراطي الذي تمر به البلاد، وأضاف: «نسعى لأن نتحول إلى حركة ضمير في الملفات السياسية والاقتصادية والحريات العامة ومراقبة الديموقراطية، وسنعمل في الشارع على التوعية السياسية للناس، وتفعيل دور الحركات السياسية من خلال سن حزمة قوانين منظمة لعملها، كذلك قوانين أخرى متعلقة بقوى الضغط السياسي، حتى نضمن عدم ملاحقتنا في المستقبل». ويقول: «الثورة المصرية التي قامت على أكتاف الشباب لن تنجح إلا بعدما يستطيع هؤلاء الشباب التأثير في صنع القرار، هذا يحتاج إلى وقت حتى يكتسبوا الخبرة المطلوبة، لسنا في عجلة من أمرنا ونعلم أننا في مرحلة وضع حجر الأساس لبناء دولة تقوم على أكتاف الشباب». في المقابل يرى الناشط باسم فتحي «أن المرحلة التي تمر بها البلاد الآن هي مرحلة «البناء»، يجب أن يقوم كل فرد بدوره، حتى تمر مصر من المنعطف الصعب». ويشير فتحي، الذي كان عضواً في «6 أبريل» قبل أن ينشق عنها، إلى أن الثورة المصرية نجحت في تنفيذ غالبية مطالبها، والآن دقت ساعة العمل، موضحاً «ننشط مع مجموعات شبابية، في دعوة الناس إلى العمل والإنتاج، لا يجب أن نتصارع على صدارة المشهد، لا بد من بناء مصر التي ننتظرها سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي». ويرى فتحي أنه عندما يتم الاختيار للمناصب القيادية في مصر بناء على الكفاءة وليس عبر المقربين من دوائر صنع القرار، مثلما كان يحدث في العهد السابق، فسشيكون للشباب الفاعل بلا شك دور كبير في قيادة المستقبل». ويرى مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» جمال عبد الجواد أن الحركات الشبابية تمر ب «أزمة هوية»، بسبب النمو الكبير الذي تعيشه وتحولها من مجرد صفحات ناشئة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مجموعات لعبت دوراً محورياً في الثورة المصرية، فرغم أن الحركات الشابة باتت لديها الخبرة في معارضة النظام، ولكن ليس لديها الكثير من الخبرة في مجال الإصلاح أو العمل، وهو ما ظهر في الخلافات التي بدأت تشق صفوف الائتلافات الشبابية خلال الأيام الأخيرة، معتبراً أن الحركات الشابة أمام «اختبار صعب» في قدرتها على الصمود، موضحاً أنه في حال لم ينخرط الشباب في أحزاب سيكون أمامهم تحدي البقاء. لكن الناشط في «6 أبريل» محمد عادل يرفض انخراط أعضاء حركته في أحزاب، ويوضح ل «الحياة» انه «منذ إعلان البيان التأسيسي للحركة، ونحن نقول إننا لا نهدف إلى السلطة وكان هدفنا منذ البداية التغيير وإتمام التحول الديموقراطي، وهو ما بدأ يحدث في البلاد»، مؤكداً أن حركته ستستمر على نهجها. ويوضح الخبير السياسي عبد الجواد ل «الحياة» «أن الشباب ليسوا تياراً سياسياً واحداً، إنما ينتمون إلى فصائل وإيديولوجيات سياسية عدة، معتبراً أن ما حدث في مصر بفعل تحرك الائتلافات الشابة إنجاز كبير، لكن في المستقبل ستواجههم معوقات عدة، عندما ينتقلون من العمل في الشارع إلى مرحلة المؤسسات، مشيراً إلى أن الشباب أمام خيارين: إما الانخراط في أحزاب سياسية أو فقدان دورهم مع مرور الوقت». ولا يرى الناطق الإعلامي باسم ائتلاف شباب الثورة خالد السيد ضرورة في وجود قائد لحركة الشباب في هذه المرحلة، موضحاً أن السمة الرئيسية للثورة المصرية هي عدم وجود قائد لها، ويضيف « أرى أن استمرار الوضع على ما هو عليه أفضل الآن»، لكن السيد يقر ب «غياب التنظيم عن حركة الشباب»، مشيراً إلى أن الائتلافات الشبابية بدأت تدرك هذا الأمر حيث اتخذت خطوات نحو إطلاق أحزاب وكيانات سياسية، ويقول ل «الحياة»:»نحن نقوم الآن ببناء كيان سياسي، نرى حتمية وضرورة وجوده لتنظيم حركتنا وهذا الكيان سيؤدي مع الوقت إلى ظهور قائد لحركتنا». عبد الجواد يرى انه ليس مطلوباً أن نفرض على الحركات الشابة قياداتها، وإنما عليها إفراز القيادات من داخلها مع مرور الوقت. ويرجع رفض الشباب لوجود قائد إلى الثقافة السياسية السائدة في أوساطهم، والتي تعتمد على الاستقلالية الذاتية والفردية في التحرك، لكنه يحذر من «تواري» حركة الشباب خلال الفترة المقبلة، ويقول: «الشباب نجحوا كحركات احتجاجية لكن مصر الآن ستدخل إلى مرحة البناء، لهذا على الشباب أن يتكيفوا مع المرحلة الجديدة، فلا يمكن الثبات وتقديس الشكل، إذ أن الواقع المصري سيتجاوزه». ويرى الناشط خالد السيد «أننا في بداية ثورة على مستوى الشرق الأوسط قد تصل إلى دول جنوب أوروبا، ولا أحد يعلم مدى هذه الثورة ومتى ستنحسر، أما على المستوى الداخلي المصري فالعنوان الرئيسي لهذه المرحلة هو افتقادنا لتكوين جماهيري منظم يستطيع حشد الناس خلف مطالب بعينها، وكلنا نعلم أن جماعة الإخوان المسلمين هي التنظيم الوحيد الذي يستطيع حشد الناس، ونحن نسعى إلى بناء مشابه لتنظيم الإخوان المسلمين»، معتبراً أن الخطر الأكبر على الثورة المصرية هو «عدم وجود هذا التنظيم»، موضحاً أن الشباب بالفعل استطاعوا حشد الناس خلف مطالب الثورة التي أسقطت النظام لكن بشكل غير منظم. ويشير السيد إلى أن «ائتلاف شباب الثورة يقوم الآن على محورين: الأول الانخراط في أحزاب سياسية بازغة، والثاني هو استمرارنا في التواصل مع الناس عبر الوسائل الحديثة والإنترنت وهذا يضيف إلينا قوة أكبر وقدرة على الوصول إلى الأقطار المصرية كافة بل وإلى زملائنا النشطاء في الخارج». ويوضح «بدأنا بالفعل في تكوين اللجان الشعبية في القرى والمناطق النائية، والتي مع الوقت من الممكن أن تحل مكان المجالس البلدية، كما لدينا قوائم ستدخل الانتخابات في النقابات المهنية، ولدينا أيضاً حضور في الجامعات، كما أننا نجهز لقائمة ائتلافية نتباحث فيها مع القوى الوطنية المصرية، سندفع بها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ونسعى إلى دفع الناس خلف التصويت لمصلحتها». أما عن دور الائتلاف في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيشير السيد إلى «أننا نرفض الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى باعتباره أحد أركان النظام السابق، أما باقي المرشحين فنحن نقف على بعد خطوات من الكل، وليس لدينا مرشح بعينه حتى الآن، مثلما يتردد أننا ندعم المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي»، مؤكداً «أن الحركات الشبابية تعقد اجتماعات متواصلة مع المرشحين المحتملين لرئاسة مصر، لبحث رؤيتهم للمستقبل وعرض برامجهم وخلال أسابيع سنحسم أمرنا من هؤلاء المرشحين».