بذراعين مفتوحتين على وسعهما، استقبلت إسرائيل الكاتب الفرنسي الفضائحي ميشال ولبيك، الذي زارها في مناسبة صدور الترجمة العبرية لأحدث رواياته «الخريطة والإقليم»، والتي حصد عنها جائزة «غونكور» الشهيرة لعام 2010. وحرصت مؤسستها الإعلامية كثيراً على إبراز كونه مؤيداً لها ومناهضاً للإسلام والفلسطينيين، كما أكد هو نفسه أيضاً. واهتم الناقد مناحيم بن (صحيفة «معاريف») بأن يتصدّر مقالَه عن الرواية تصريحٌ أطلقه ولبيك في أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده في المعهد الفرنسي في تل أبيب، وصبّ فيه جام غضبه على من أسماهم «الرعاع اليساريين»، الذين «سيطروا بصورة حصرية على الخطاب الثقافي على مدار القرن العشرين»، مستعيداً تأكيده أنه يحبّ القرن التاسع عشر. وبرأي بن، فإن هذا التصريح يعيد إلى مفاهيم الحرية والفكر والثقافة في فرنسا كرامتها المفقودة، لكنه أخذ عليه إحباطه الشديد الذي لا يُعدّ «إستراتيجيا أثيرة للحياة» على قوله. ولفتت مقالات أخرى إلى أن ولبيك نشر في عام 2001 روايته «المنصة»، التي تضمنت نَفَساً تحريضياً على العرب والمسلمين والفلسطينيين، وبعد نشرها بفترة وجيزة وقعت تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر في الولاياتالمتحدة، فرفعه القراء إلى مصاف النبيّ. وقد تطرّق إلى هذه الرواية في مؤتمره الصحافي، مسترجعاً اتهام كثيرين له بما أسماه «الوقوع تحت وطأة الاستحواذ الإسلامي»، بسبب «الأشياء الفظيعة التي قلتها عن الإسلام»، مشدداً على أنه يكنّ المقت الشديد لليسار المتطرف، وأنه لم يُخْفِ يوماً كونَه مؤيداً لإسرائيل. وسُئل ولبيك عن دور عنصر الاستفزاز في أدبه، خصوصاً في ضوء خلوِّ روايته الأخيرة منه مقارنةً بسائر رواياته، فأجاب قائلاً: «إن الموت هو عنصر مهدئ، وموضوعات روايتي الجديدة، وفي مقدمها الموت، لا تشكل أرضاً ملائمة للاستفزازات، ولكن في ما عدا ذلك، فإن القراء قرروا هذه المرّة عدم الانشغال بالاستفزاز في «الخريطة والإقليم»، مع أنه يمكن العثور عليه في حال القيام بالبحث عنه». واعترف بأنه بات يصادف صعوبة بالغة في كتابة «مشاهد جنسية أدبية»، وأنه يشعر بأنه أقدم على كتابة مشاهد كهذه في الماضي بصورة جيدة ولم يعد في إمكانه أن يفعل الأمر نفسه بصورة أفضل في الوقت الحالي. وقد تحفَّظَ ولبيك من حملة المقاطعة الدولية لإسرائيل في العالم، واصفًا إياها بأنها غير مبرَّرة، لكنه في الوقت نفسه رأى أن إسرائيل بسبب هذه الحملة تتعرّض للإهمال في فرنسا. واعتذر جرّاء عدم وجود كاتب إسرائيلي في لائحة الكُتّاب المفضَّلين لديه، وعزا ذلك إلى أنه لم يقرأ أيَّ نتاج لكاتب إسرائيلي، وقال إنه لا يعرف السرّ الذي جعله يحظى بشعبية كبيرة في إسرائيل، لكنه أكد أنه يكذب في رواياته كثيراً كي يكون أكثر إثارة للاهتمام. ومن المعروف أن هذا الكذب جرّ على ولبيك متاعب كثيرة، لعل أدهاها أن والدته تقاطعه وتعتبره ابناً عاقّاً، بعد أن ادعى باطلاً بأنها ماتت، وشتمها في كتاب من تأليفه، وعيّرها، وفضح ما ادعى أنها أسرارها، وقد ردّت عليه في كتاب صدر في عام 2008 بعنوان «البريئة»، كشفت فيه زيفه وكذبه، وشككت في موهبته الأدبية، وقالت عنه بأنه وصولي وانتهازي، وأنه مستعد لفعل أي شيء ليصبح ثرياً وشهيراً. وكان ولبيك صرّح للصحافة عام 1998 لدى صدور روايته «الجزيئات الأولى»، أنّ والدته توفيت. ومما قالته عنه في كتابها:» إن هذا الشخص، الذي خرج للأسف من رحمي، هو كذّاب ومحتال، ويشبه الحشرة التي تتغذى من الآخرين. والمهم، بل الأهمّ أنّه انتهازي حقير، مستعدّ للقيام بأيّ شيء كي يصل إلى الثروة والشهرة». وخلال الزيارة، بادر الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى عقد لقاء خاص بين ولبيك وعشرين شخصاً من متصفِّحي الموقع اختيروا بموجب مواصفات صارمة، تمحور حول كتاباته. وكانت الواقعة المثيرة في هذا اللقاء حوار دار بين الحاخام نير مينوسي، الذي يعرّف نفسه بأنه أحد التائبين العائدين إلى حضن الدين اليهودي من الفكر العلماني، وبين ولبيك، بحيث أكد الأول أن روايتَي الثاني «توسيع مجال النضال» و «الجزيئات الأولى» تسببتا بتوبته الدينية، نظراً لاشتمالهما على كل ما من شأنه أن يخيِّب الأمل من الثقافة العلمانية، وأن يحفِّز النأي عنها. وبرأي مينوسي، فإن «الجزيئات الأولى» تقدِّم الحضارة الغربية على أنها وصلت إلى طرق مسدودة، وأن المستقبل الماثل أمامها هو الفناء، مؤكداً أنها كانت السبب الحاسم وراء قراره التمسك بأهداب الدين اليهودي، طارحاً على ولبيك سؤالاً حول ما إذا كان يتوقع مستقبلاً للحضارة عدا الفناء؟