ما بعد السأم قلّدت الحياة الفن حين أنهى ديفيد فوستر وولاس حياته في 2008 عن ستة وأربعين عاماً. هجس بالضجر الذي يدفع صاحبه الى الانتحار، وقال إن تحمل السأم زمناً طويلاً في مكان محصور هو الشجاعة الحقيقية. ترك رواية غير مكتملة دارت في مركز لجمع الضرائب في ضواحي إيلينوي في منتصف الثمانينات. ينشب خلاف حول طبيعة مراقبة الدخل، وما إذا كانت مؤسسة هدفها الربح أو المحاسبة الأخلاقية العادلة. أنهى وولاس إثني عشر فصلاً من «الملك الشاحب» الصادرة في بريطانيا، وخلّف مسوّدة الفصول الأخرى لينقّحها مايكل بيتش ويكمل العمل بها. شاءه كتاباً «إعصارياً» لكنه لم يستطع التركيز عليه، وخلال الأعوام الثمانية من كتابته أصدر مجموعتين قصصيتين وكتاب مقالات وكتاباً في الرياضيات عن مفهوم اللانهائي. استند في «الملك الشاحب» الى عمله مدقّق ضرائب في الثمانينات، واستفاد من خبرته في رسم الضجر المطلق الساحق الذي يجعله يعدّد أسماء الموظفين ويضيف إليها «يقلب الصفحة» مرة تلو المرة. في 2005 وقف أمام خريجين جامعيين، وحذّرهم مما ينتظرهم: «يصعب بما يفوق التخيّل البقاء واعين وأحياء في عالم البالغين». يهجو البيروقراطية الحكومية التي تتحول كائناً طفيلياً أكبر من مضيفه، ويلطّف العمق والمعرفة الفائقة بالموضوع بظرف ندي يحتاج إليه قارئ الرواية التي تتمدّد 560 صفحة. يجنّد مدير المركز موظفين جدداً خارقي الذكاء استعداداً للحرب بين الآلة والإنسان، ويحصي موظف الكلمات وهو يقف على رأسه. زميل له يرتفع عن الأرض من فرط تركيزه، رأساً على عقب أحياناً. ويطمح آخر بارع في ليّ جسده الى لمس كل جزء منه بشفتيه، ما أثار التعليق طبعاً لدى اقتباس هذه العبارة في «نيويورك تايمز». واحد يقلقه تعرّقه، وآخر يصف في مونولوغ من مئة صفحة تحوّله شبه الديني من متبطّل الى محاسب بعد لقاء بالصدفة مع معلّم يسوعي. وكما في المقطع عن قلب الصفحة يتوقف وولاس عند فرصة الغداء التي تجمع في الخارج بشراً بلغوا من الضجر اليائس حداً فقدوا معه الحس بجدوى الحديث عن شيء محدّد، وتركوا الخواء يغمرهم حتى في فترة الراحة الثمينة. بدأ واعداً في «مكنسة النظام» ونشر بعد تسعة أعوام روايته الشهيرة «الأضحوكة اللانهائية» التي تناولت السأم الخالد وضحاياه الجاهزين. عانى مراراً من الاكتئاب وتحسّن وانتكس، ورصد الإدمان والشجن واليأس بحيوية مرحة. ممنوع كل عام تصدر جمعية المكتبات الأميركية لائحة باسم عشرة كتب طالب الأميركيون بمنعها حماية لتلامذة المدارس من محتواها العنصري والجنسي بصرف النظر عن قيمتها الأدبية. تعتمد اللائحة الشكاوى ومطالب المدارس، وتصدّرها في 2010 «والتانغو يجعلهم ثلاثة» لجستن ريتشاردسن وبيتر بارتل، وهو كتاب مصوّر استوحى قصة حقيقية لِصوص يتبناه بطريقان مثليان من فصيلة الإمبراطور في حديقة نيويورك المركزية. تلاه «اليوميات الصحيحة تماماً لهندي بعض الوقت» الذي تعلّقت الشكاوى بلغته البذيئة وعنصريته وعنفه ووصفه العادة السرية. الكتاب الثالث «عالم شجاع جديد» للكاتب الإنكليزي ألدوس هكسلي الذي عاش في أميركا. يدور في لندن في العام 2540 في نظام استبدادي يمنع الكتب، ويشهد تطورات في الإنجاب والتعلم أثناء النوم. منع في إرلندا لدى صدوره في 1932 ورفع من رفوف المكتبات، وفي 1980 توقفت مطالعته مدرسياً لأنه صوّر الجنس مع شركاء كثر ممتعاً. ويبقى موضوع شكوى أميركية دائمة «للغته الصريحة المشينة وافتقاره الى الحساسية». في 2009 شكا ذوو التلامذة من روايات كلاسيكية حاز بعضها على جائزة بوليتزر. في «الحارس في الجاودار» لسالنجر يلتقي المراهق هولدن كولفيلد بنت هوى لكنه يكتفي بالحديث معها، ويقول إنه لا يستطيع النوم مع من لا يحبها. يعطي الشابة خمسة دولارات عن الساعة التي أمضتها معه، لتعود مع قوادها الذي يهدّده إن لم يدفع البدل كاملاً. اعترض الأهل أيضاً على «اللون الأرجواني» لأليس ووكر التي يعتدي فيها رجل من ريف جورجيا على ابنته ويختفي طفلاه منها. تكتب رسائل الى الله، وترتبط بعلاقة مثلية مع عشيقة زوجها، ثم تكتشف أن مغتصبها زوج والدتها وليس والدها، وأنه لم يقتل طفليها بل عرضهما للتبني. تحدّت نل هاربر لي في «قتل طير ساخر» نظام التمييز العنصري في بلادها، وهجت الحثالة البيضاء في الجنوب التي تدفع محامياً ليبرالياً الى الدفاع عن عامل أسود تتحرّش فيها شابة بيضاء وتتهمه عندما يرفض باغتصابها. اعترض الأهل على الكلمات العنصرية في الرواية التي اعتمدت حتة الستينات ونبذت بعدها. غابت الروايات الكلاسيكية عن لائحة الشكاوى في العام الماضي، وحضرت كتب معاصرة أكثر مبيعاً برز فيها الجنس واللغة البذيئة والإدمان مثل «لعبة الجوع» لسوزان كولينز و «شفق» لستفيني ماير و «وافر» لناتاشا فرند. على أن الشكاوى والمطالبة بإزالة الكتب من المنهج الدراسي انخفضت من 460 الى 348 علماً أن كثيرين لا يعبرون عن اعتراضهم. جمعية المكتبات الأميركية دعت الى حماية حرية القراءة، إحدى أثمن الحريات الأساسية، والتوقف عن منح منتقدي كتاب معين سلطة منع الآخرين من مطالعته. سمك الدمار الشامل تحارب بريطانيا في أفغانستان والعراق منذ أعوام، وتعجب من غياب شعراء الحرب. أنتجت الحرب العالمية الأولى ولفريد أوين وسغفريد ساسون وروبرت بروك، ولم تخرج من إرلندا الشمالية وكوسوفو وأفغانستان والعراق شهادة لجندي شاعر تقابل التقارير الصحافية وتفوقها عمراً. الكابتن جون جفكوك ضابط سابق وشاعر فكّر بديوان يجمع قصائد الجنود، وسيصدر «مصاب» في ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى في 11 تشرين الثاني (نوفمبر). من الشعراء العريف كولن ميتشل الذي رأى رفاق سلاح يكتبون يوميات، لكنه وجد في الشعر طريقة للتأقلم مع الوضع في البصرة: «أنا هنا منذ أربعة أشهر لكنها تبدو عاماً/ واجهت الغضب، الموت والخوف/ هناك الكثير من الرعب في هذا المكان/ الكثير من خسارة الأرواح- يا للهدر». وعن عودته الى الوطن: «أجلس هناك أشعر بالوحدة/ كيف يمكن أن تفسّر ما حدث لك/ بعضنا يتكيف، آخرون يشربون حتى النسيان/ ومهما حدث نعاني كلنا من كوابيس/ ولكن في النهاية من يهتم حقاً؟» داني مارتن يعلّم اليوم الإنكليزية في مدرسة ثانوية، وروى في قصيدته كيف أوقف مع رفاقه ست شاحنات بعد تحذير الاستخبارات من عملية تهريب. قيّد سائق شاحنة وزوجته لكنه وجده «مسلّحاً بالثلج الذائب (...) علي أن أطلب عمولة من طالبان على كل من انضمّ إليها بفضلي». الكولونيل سايمون مار كتب عن الدوريات المخيفة في العراق: «كيف أجبر الوقت أن يبطئ ويقف/ في هذه اللحظة حين أخطو بتؤدة/ على سجادة الرمل الغادر/ المستقرة في هذا الزقاق المضاء بالشمس (...) في هذا الصمت المتورّم الأصم/ أعرف أنني لن أسمع أو أشعر/ بصحون معدنية تنغلق تحت قدمي/ وتسبّب في لحظة موتي الدموي». تلك القرى الجميلة كيف يناور الكاتب بين معرفته ومعارفه؟ يعلّم فيليب هنشر في جامعة إكستر، وتبع نصيحة الكتابة عما يعرفه. رسم صورة سيئة لحياة الجامعة ومحيطها القروي في جنوب غربي إنكلترا فأزعج زملاء وسكاناً من النفاق والخداع وضيق العقل التي سادت بين السكان. كتب كنزلي آميس ومالكوم برادبيري وديفيد لودج وهاورد جاكوبسن روايات جامعية، لكن ذلك كان زمناً مختلفاً وأكثر استرخاء وفق أندرو ماكري، عميد التربية في إكستر. يقول باسماً إنه قد يكون بين من ينتقدهم هنشر، وهو راض بذلك. هناك روايات عدة عن الجامعات لأن كتّاباً كثراً يعلّمون فيها. زميل له ذكر أن الجامعة استقبلت «ملك الغرير» مثل كيس من الدود، وأشار الى حادثة حقيقية تستوحيها الرواية. دخلت الشرطة صفاً واعتقلت طالباً، فاحتج الأهل لكن عميداً صارحهم بأنه لا يستطيع ضمان سلامة الطلاب. هلن تيلور، أستاذة الفن والنمو الثقافي، ذكرت أن هنشر يتبع تقليداً طويلاً من الروايات الجامعية الساخرة، وأن العاملين في إكستر يخطئون إذا اعتبروها مستهدفة. «هناك احتمالات لانهائية للمرح والهزل لكل كاتب يعمل في جامعة. كلنا هنا نأخذ أنفسنا على محمل الجد، وهذا يجعلنا نبدو سخيفين». نفى هنشر ( 46 سنة) أن يكون عنى إكستر وموظفيها بالتحديد، وقال إن الجامعات تربة خصبة لكثير من الكتّاب نظراً إلى التناقض بين حياة العقل الفوضوية أساساً وبيروقراطية المؤسسة وقوانينها. يستوحي في «ملك الغرير» حادثة حقيقية أخفت فيها امرأة طفلتها علّ أسرتها الفقيرة تحصل على تبرعات تساعدها في العثور عليها، كما حدث حقاً مع زوجين طبيبين اختفت طفلتهما أثناء عطلة في البرتغال.