أكد عدد من العاملين والمختصين في مجال القانون والمحاماة السعوديين، أن إقرار إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يعد قراراً مفصلياً ومهماً من الناحية القانونية، إذ يُعلق عليها إلى جانب الرقابة، أن تدفع بوضع قوانين صارمة لكبح الفساد بصنوفه المختلفة، وتفاؤلاً بأثرها الإيجابي المتوقع، وجدت ترحيباً واسعاً من المهتمين، الذين تمنوا تفعيلها بأسرع ما يمكن. وأشاروا إلى أن الهيئة في حال اتجهت كما أرادها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فإنها ستنقي المجتمع من أنواع فساد ظلت مستعصية عقوداً من الزمن. وأجمعوا على أن قرار إنشاء «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» سينعكس على تطوير أداء العاملين في القطاع الحكومي، إضافة إلى منع إهدار المال العام، من خلال بعض المتنفذين في القطاعات الحكومية. وقال المحامي عبيد بن أحمد العيافي: «منح الهيئة كل الصلاحيات لتتبع الفاسدين، ومحاربة فسادهم قرار تاريخي، ولكن ينبغي على الهيئة أن ترسخ من خلال عملها عدداً من المبادئ المهمة والعمل عليها، أبرزها توفير مبادئ المساواة، وتكافؤ الفرص والعدالة، والكشف عن مواطن الفساد بجميع أشكاله، بما في ذلك الفساد المالي والإداري والواسطة والمحسوبية، وترسيخ سياسات فعالة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لمكافحة الفساد والوقاية منه، وتفعيل مبدأ من أين لك هذا؟». وأضاف أنه «لا بد على الجهاز الجديد أن يضرب بيدٍ من حديد على كل المعوقات التي ستصادف عمله، ومنها سطوة متوقعة من عدد من المتنفذين الذين قد يروق لهم الفساد وتعوزهم النزاهة، ولا بد أن تدرك الهيئة أن هؤلاء الأشخاص هم مادة عمل الهيئة وعصبها». من جهته، رأى المحامي يحيى العبدلي أن إنشاء هيئة لمكافحة الفساد كان من القرارات الصائبة، لكنه تمنى ألا يكون حظها في التطبيق كسابقتها التي أعلن عنها عام 1428ه، ومع ذلك لم تفعّل بعد. وأكد أن «مكافحة الفساد إذا صح مقصودها كما يريد خادم الحرمين الشريفين ستكون فيضاً من الخير يخلصنا من الفساد بكل صنوفه وصوره، لنصبح مجتمعاً نقيا جلياً لا تشوبه شائبة». واعتبر المحامي والمدعي العام في هيئة التحقيق والادعاء العام سابقاً الدكتور إبراهيم الابادي، إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وبدء إعداد التنظيم الخاص بها، «دليلاً على حرص الملك عبدالله على المضي قدماً في التسريع لمكافحة الفساد، والقفز على البيروقراطية التي تعطل كثيراً من الأمور». واستطرد: «آثار الفساد الإداري متشعبة، وتشمل النواحي الاقتصادية والإدارية والسياسية والاجتماعية والتربوية والأخلاقية وكل نواحي الحياة في المجتمع»، مشيراً إلى أن الفساد يضعف القيم الأخلاقية والشعور بالعدالة لدى الموظف، ويشجع الانتهازية والاستغلال السيئ لموارد الأجهزة العامة، ويجرئ على الكسب غير المشروع، ويسبب الظلم الاقتصادي وسوء توزيع الدخل بين شرائح العاملين. ونظر إلى الفساد الإداري على أنه «استغلال سلطة الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة بطرق غير مشروعة نظامياً، ومن هنا ينبغي البدء في مكافحته بأي شكل من الأشكال، بسبب وجود أضرار وآثار كثيرة للفساد». مؤكداً أن الفساد الإداري عُرفت له آثار اقتصادية سيئة على الدخل القومي في الدول المتقدمة والدول النامية على حد، سواء لأنه يشكل عنصراً من عناصر هدر الموارد الاقتصادية. وكان مجلس الوزراء قبل بضع سنين أقر حيثيات وبنود الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتي كانت ترجمة لتوجه الملك عبدالله في إطار برنامجه الإصلاحي والتطويري الشامل. ولفت المحامي الابادي إلى أن أبرز آليات تلك الاستراتيجية هي إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد أُطلق عليها اسم «الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد»، وتمَّ حصر مهامها في متابعة تنفيذ الاستراتيجية، ورصد نتائجها وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها، وآليات تطبيقها، وتنسيق جهود القطاعين العام والخاص في تخطيط ومراقبة برامج مكافحة الفساد وتقويمها، وتلقي التقارير والإحصاءات الدورية للأجهزة المختصة ودراستها، وإعداد البيانات التحليلية في شأنها، وجمع المعلومات والبيانات والإحصاءات وتصنيفها، وتحديد أنواعها وتحليلها، وتبادلها مع الجهات المختصة ذات العلاقة. وأكد أن أبرز البنود الواردة في الاستراتيجية، والتي تحتاج إلى العناية والرعاية، والمعالجة بأسرع وقتٍ ممكن، وباستخدام كل الأساليب والأدوات الممكنة هي المادة الثانية، وتحديداً في الفقرات التالية، وأبرزها «اختيار المسؤولين في الإدارات التنفيذية التي لها علاقة بالجمهور من ذوي الكفاءات، والتعامل الحميد مع المراجعين، والتأكيد على مديري الإدارات بإنهاء إجراءات معاملات المواطنين ومراقبة الموظفين، حتى لا يضعون العقبات أمام تلك المعاملات، والتأكيد على عدم التمييز في التعامل، وعدم النظر إلى المركز الوظيفي أو الاجتماعي للشخص»، وهو ما أكده خادم الحرمين في أمره الأخير، والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه وفقاً للأنظمة. وأوضح أن من ضمن البنود ما أكدته المادة الثالثة المتعلقة بإقرار مبدأ الوضوح (الشفافية)، وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة، «والتأكيد على مسؤولي الدولة بأن الوضوح وسيلة فاعلة للوقاية من الفساد، وأنَّ اعتماده كممارسة وتوجه أخلاقي يضفي على العمل الحكومي الصدقية والاحترام». وشدد الابادي على أن من ضمن المواد التي ينبغي العناية بها، المادة السادسة المتضمنة «تحسين أوضاع المواطنين الأُسرية والوظيفية والمعيشية، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، وتوفير الخدمات الأساسية لهم، وإيجاد الفرص الوظيفية في القطاعين العام والخاص، بما يتناسب مع الزيادة المطردة لعدد السكان والخريجين، والاهتمام بتأهيلهم طبقاً لحاجات سوق العمل، والحد من استقدام العنصر الأجنبي، وتحسين مستوى رواتب الموظفين والعاملين، خصوصاً المراتب الدنيا». وكان القرار تضمن أن يقوم رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بوضع التنظيم الخاص بها، على أن يصدر من مجلس الوزراء خلال ثلاثة أشهر من تاريخ القرار. وتشمل مهام الهيئة وفقاً لما نص عليه القرار الملكي أخيراً، القطاعات الحكومية كافة، ولا يستثنى من ذلك كائن من كان، وتسند إليها مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، وتدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي. وطلب القرار من رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء ورئيس الديوان الملكي، تزويد الهيئة الأوامر ذات الصلة بمهامها كافة، وعلى جميع الوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية وغيرها، الرفع للهيئة بكل المشاريع المعتمدة لديها وعقودها ومدة تنفيذها وصيانتها وتشغيلها، ودون الإخلال باختصاصات الجهات الرقابية الأخرى، تقوم الهيئة بالتنسيق اللازم مع تلك الجهات في ما يخص الشأن العام ومصالح المواطنين، وعلى تلك الجهات تزويد الهيئة بأي ملاحظات مالية أو إدارية تدخل ضمن مهام الهيئة.