الوعد الذي منحه وزير الخارجية البريطانية اللورد آرثر بلفور عام 1917 للوكالة اليهودية بإقامة دولة على أرض فلسطين، لم يمر عليه أكثر من ثلاثين عاماً، حتى استطاع أنصار الفكرة، عام 1947 تمريره في منظمة الأممالمتحدة التي صوتت على تقسيم فلسطين إلى دولتين بين العرب واليهود وإعطاء مدينة القدس نظاماً سياسياً وإدارياً خاصاً، تابعاً للأمم المتحدة، نظراً لما تمثله المدينة المقدسة من رموز وأهمية للديانات الثلاث اليهودية، والمسيحية، والإسلامية، وللمؤمنين جميعاً في العالم. على أن اعتراض العرب على التقسيم، وتمسّكهم بعروبة القدس سياسياً وإدارياً ضمن انفتاح رسالتها على الجميع قد جمّد المشروع الأممي، وكانت الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1948 سبباً آخر لعرقلة تنفيذ قرار الأممالمتحدة، إضافة إلى الدعم الذي حصلت عليه إسرائيل ومكّنها من التغلب على العرب، وصولاً إلى توسيع مناطق الاحتلال، وتراكمت الأحداث والحروب، من العدوان الثلاثي على مصر بسبب تأميم قناة السويس عام 1956 وقد شاركت فيه إسرائيل وبريطانياوفرنسا، بينما كان موقف الولاياتالمتحدة ضدّ العدوان ووضعت حداً له ولآثاره بحيث انتظرت مصر بضع سنوات حتى تمكّنت من إعادة فتح قناة السويس وأسفر العدوان عن حشد الجماهير وراء الرئيس جمال عبد الناصر في تحقيق وحدة 1958 بين مصر وسورية وهي الوحدة التي قضى عليها أنصارها السوريون بصورة خاصة، وهم أنفسهم، مع منظمة التحرير الفلسطينية حاولوا المزايدة على مصر في مقاومة أخطار إسرائيل فاندفع عبد الناصر وطلب من الأممالمتحدة سحب قوات المراقبة الدولية التابعة لها في سيناء لدخول حرب 1967، بما أسفرت عنه أيضاً من توسع إسرائيلي يوفر لها التفوق العسكري على العرب عدة وتخطيطاً. وهذه المراحل الزمنية من الصراع بين العرب وإسرائيل، تفاقمت واشتدت حدة مع حرب 1973 التي خاضتها مصر بقيادة الرئيس أنور السادات ومع قائد الطيران الحربي المشير حسني مبارك، حيث نجح الطيران المصري بقيادته في تحطيم حاجز بارليف، واسترجاع القناة بعد تحريرها بمساندة الدول العربية، لا سيما المملكة العربية السعودية حيث قطع عاهلها الملك فيصل بن عبد العزيز النفط عن الغرب، فسجلّ العرب فوزاً مكّن نظام الرئيس السادات من مصالحة إسرائيل، وهو في موقف قوي، ومن تحرير سيناء بكاملها، بينما احتفظت إسرائيل حتى اليوم باحتلال الجولان بعد رفض الرئيس حافظ الأسد ما اقترحه عليه الرئيس السادات من مبادرة مشتركة تمثلت بزيارة القدس المعروفة. ومع متابعة ما أسفرت عنه مبادرة إعلان بلفور، تظهر الحروب الإقليمية التي خاضتها إسرائيل ولا تزال تخوضها ضد لبنان أو سورية علاوة على مواصلتها احتلال أراضٍ فلسطينية إضافية، وبناء المستوطنات. لكن فكرة الدولة الفلسطينية تتقدّم داخل منظمة اليونسكو وداخل الجمعية العامة للأمم المتحدة نفسها، وإسرائيل تبذل كل ما في وسعها من نفوذ داخل الولاياتالمتحدة وسواها للتراجع عن فكرة الدولتين والاكتفاء بدعوة الفلسطينيين إلى التفاوض من جديد. بعد مئة عام على إعلان بلفور، كيف يمكن تصوُّر المستقبل في منطقة الشرق الأوسط. وكيف يمكن تصور حال العراق السياسية وهو المهدد بالتقسيم الطائفي، وكذلك حالة سورية التي تجمعت أسباب الهدم والتخريب فيها ولم يعرف بعد كيف يمكنها الخروج من الحروب الداخلية والتي أسفرت عن دخول قوات أجنبية للتمركز ضمن قواعد فوق أراضيها منها روسية ومنها تركية ومنها إيرانية ومنها أميركية. والحديث عن سورية لا ينفي ما حصل في لبنان منذ عام 1975، وما يحصل حالياً من تهديدات إسرائيلية جديدة وأين هي الاستعدادات العسكرية العربية التي تقدر مجتمعة على مقاومة أخطار إسرائيل؟ وهل تسأل دولة كبرى واحدة من الدول الخمس أعضاء مجلس الأمن الدولي إسرائيل عن الحدود النهائية لدولتها؟ أين تبدأ وأين تنتهي؟ وهل هناك داخل المجتمع الإسرائيلي فئة كبيرة من المواطنين ترغب في السلام الدائم مع العرب أم أن النزاعات المتطرفة تجعل الإسرائيليين يحلمون بإقامة دولة مزعومة بين النيل والفرات، إذ إن بعض رجال الإعلام الغربيين الموالين لإسرائيل يعلقون على المعارك في الموصل ويقولون إن «الموصل هي حدود التوراة»؟ علق الأمين العام لجامعة الدول العربية الأستاذ أحمد أبو الغيط على الذكرى المئوية لإعلان بلفور وطالب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بإعلان الاعتراف بدولة فلسطين لتصحيح إعلان بلفور. وأكد الأمين العام أن استحضار هذه الذكرى الكئيبة يلقي بظلال سوداء على الدور الذي لعبته بريطانيا في زمن الانتداب، كما يبلور مسؤولياتها التاريخية إزاء المأساة الفلسطينية. وممَّا أثاره أبو الغيط في رسالته قوله: «لقد تحقّق المراد من وعد بلفور حيث قامت دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، لكن أين ذهبت حقوق الفلسطينيين الذين أشارت إليهم صيغة الوعد المشؤوم بوصفهم السكان من غير اليهود؟» «لقد قامت دولة إسرائيل لكن أين الدولة الفلسطينية التي تحدث عنها القرار 181 لعام 1947 قرار التقسيم وقامت دولة إسرائيل لكن هل صارت دولة حقوق متساوية لكل مواطنيها؟ أم أصبحت بؤرة توتر وصراع في المنطقة كلها؟» وهذه الرسالة للأمين العام، والتي ينتظر عليها الجواب من الحكومة البريطانية، أياً يكن الجواب، تختصر الموقف العربي الذي يجسّده نهوض جامعة الدول العربية من كبوتها، مع تزايد الإدراك للدور المطلوب منها، وهو دور يزداد قوة مع عودة مصر إلى الساحة العربية والإسلامية والدولية، حيث كان للقاهرة دوماً تأثيرها في مجرى نشاطات الجامعة وضرورة تمثيلها مختلف المصالح العربية التي يتهددها الشلل منذ بداية سنوات «الربيع العربي الكاذب المشؤوم» وقد حان وقت استفاقة العرب للتعاون والتضامن في ما بينهم دفاعاً عن وجودهم ومصيرهم وبالتالي عن السلام الإقليمي والعالمي. * كاتب لبناني مقيم في فرنسا