قد يبدو من المبكر جداً تقييم جائزة الملتقى للقصة العربية التي أسسها الكاتب الكويتي طالب الرفاعي بتمويل من الجامعة الأميركية في الكويت، والتي تحتفل الإثنين المقبل بإعلان الفائز في دورتها الثانية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل انطلاقتها القوية بما تحمله من وعودٍ إيجابية يصعب تخطيها، لا سيما في مسألة التشجيع على عودة الاهتمام بالقصة القصيرة وتكريم رموزها، والدفع إلى ازدهار هذا النوع الفريد من الكتابة السردية في أوساط الكتّاب الشباب، في وقتٍ تُعاني فيه القصة انحساراً وتهميشاً لأسباب كثيرة. واللافت أنّ عدد المرشحين لهذه الجائزة بلغ في الدورة الثانية 239 كاتباً وكاتبة. وتهتم الجائزة أيضاً بتنظيم أنشطة على هامش حفلة إعلان الفائز، يتحدث فيها كتّاب القصة والنقاد. وإذا عدنا إلى بداية هذه الجائزة، نجد أنّها لقيت ترحيباً ممن رأوا فيها إعادة اعتبار للقصة القصيرة بل طوق نجاة لها، لذلك دعوا إلى تحلّيها بالنزاهة والحياد وإلى استمرارية توافر التمويل اللازم كي تبقى طويلاً في خدمة القصة وكتابها، علماً أنها المرة الأولى التي تحظى فيها القصة العربية القصيرة بجائزة مرموقة. وعلى رغم هذا الترحيب والتفاؤل، قد لا تنجو الجائزة في دوراتها المقبلة من الانتقاد والاتهام بعدم الموضوعية، شأن جوائز عدة، غير أن ذلك سيكون مدعاة إلى الاهتمام بسمعة الجائزة وصونها من القائمين عليها، حرصاً على ترسيخها جائزة مهمة للقصة ومبدعيها. وعن رأيه بهذه الجائزة، يعتبر الكاتب المصري أحمد الخميسي أنّ الفائز هو من يحدّد نزاهة الجائزة، فيقول: «أرى أن العمل الفائز هو الذي يحدد موقفي من الجائزة، فإذا كان العمل جيداً فهي جائزة جيدة. منحت البوكر في دورتها الماضية جائزتها لمحمد حسن علوان عن روايته «موت صغير»، وهي رواية جيدة على رغم بعض ملاحظاتي عليها. وبالتأكيد لن يخلو عمل من ملاحظات، ما جعلني أقول إن البوكر كانت منصفة. ومع أنني لم أعد أتذكر من هو الفائز بجائزة الملتقى العام الفائت، لكنّ انطباعي عن العمل في حينه كان جيداً، وبالتالي اعتبرتُ الجائزة جيدة. ولكن، هل الجوائز تلعب دوراً إيجابياً دائماً؟ أرى أنّها مهمة من ناحية تنشيط القصة القصيرة، ودفع الكتّاب نحوها، لكنّ الجوائز بعامةٍ تلعب دوراً سلبياً في توجيه الأدب نحو الجانب التجاري. وهناك أعمال تكتب في بعض الأحيان على نمط ومقياس جوائز بعينها، وهو ما يفقد الأدب أهميته وحقيقيته، ولعلّنا نعلم أن نوبل في سنواتها الأخيرة لم تعد الجائزة الأفضل، نظراً إلى ضعف مستوى من فازوا بها... وربما كان هذا هو الجانب السيئ في الجوائز لأنه يُسيّد الرديء ويخلق ذوقاً سيئاً لدى القراء وربما الكتاب أيضاً، ومن ثم فهو يوجه الأدب، وهو ما أخشى على جائزة الملتقى منه، وأتمنى ألا تقع فيه». الياس فركوح: ازدهار مأمول أمّا الروائي الأردني الياس فركوح فيقول: «أدّعي بأني صرتُ أقرب إلى التشاؤم حيال مجمل الجوائز الأدبية العربية، وما يتأتى عنها من «ازدهار» مأمول، علماً أن الازدهار كما أراه هو الارتقاء بالفن الكتابي ضمن الجنس الأدبي وفي داخله تماماً، وليس «الوفرة الوفيرة» التي طفحت على وجه المشهد، بأعداد من النصوص لا يقبلها عقل عارف أو ناقد فارز. ثم جاءت جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية- وفق ما علمتُ مباشرةً من الصديق طالب الرفاعي- من خارج الدوائر التقليدية، الرسمية أو شبه الرسمية الذاهبة صوب الرواية فقط، ما يعني أنَّ الهدف المرجو منها إعادة الاعتبار لهذا الجنس الكتابي الجميل والحسّاس، في مقابل احتلال الرواية كامل المشهد السردي العربي. وإذا كانت «النيات» ركيزة أُولى نمتحن بها جدوى الجائزة؛ فتلك لا يُعَوَّل عليها. أما إذا احتكمنا إلى التجربة المشهودة بنتيجتها التي بانت في دورتها الأولى (2016)؛ فتلك خطوة صحيحة على طريق التخمين المتزن. فمن ناحية الإقبال على المشاركة في «مسابقة» الجائزة؛ فإنّ عدد المجموعات القصصية المقدمة في دورتها الثانية بلغ 239 مجموعة، متجاوزة عددها في الدورة الأولى، ولكتّاب من جميع البلدان العربية تقريباً. وهذا في ذاته تمكن قراءته بمثابة إشارة إلى «طموح وتفاؤل» بعد «إحباط» طويل امتد أكثر من عقد... وأنا أتوقع لهذه الجائزة نجاحاً في مسعاها المتمثّل في «إنعاش» كتابة القصة القصيرة، وتحفيز على قراءتها». واعتبر الكاتب المغربي صدوق نور الدين «أن تخصيص جائزة للقصة القصيرة العربية انطلاقاً من دولة الكويت وبرعاية من الجامعة الأميركية، هو اختيار موفق. أولاً لأن الهيمنة التي حظيت بها الرواية، جعلت من القصة القصيرة أشبه بممارسة دنيا قياساً إلى الرواية، علماً أن معظم الروائيين انخرطوا بداية في الكتابة القصصية. ومن ناحية ثانية، جاءت الجائزة كإعادة اعتبار لجنس أدبي يتفرد بخاصاته الفنية والجمالية، إن لم أقل إنه تمثيل عن ممارسة إبداعية من الصعوبة الخوض فيها واستسهالها. ومن جانب ثالث، فإنّ استحداث الجائزة هو تكريم لمبدعين آثروا التفرد فقط على مستوى الكتابة في جنس القصة القصيرة، بالتالي أعتبر، أن جائزة الملتقى بمثابة دعوة لنهضة القصة القصيرة العربية، واحتمال اكتشاف أسماء جديدة توسع دائرة الإبداع السردي العربي. وللموازاة في المنافسة بين هيمنة الرواية، وعودة القصة القصيرة إلى موقعها». ولم يختلف رأي الكاتب العماني محمد اليحيائي كثيراً عن آراء الكتّاب الآخرين، إذ اعتبر أنّ أي مبادرة عربية تهدف إلى تكريم الكُتّاب، وتعزيز حضورهم في حياتنا اليومية، وتعريفنا بهم وتشجيعنا على قراءة أعمالهم، فهي بلا شك مبادرة جليلة يجب الاحتفاء بها، وشكر القائمين عليها. وأضاف قائلاً: «جائزة الملتقى للقصة القصيرة هي واحدة من هذه المبادرات العربية اللافتة التي تعمل على إعادة توجيه الضوء إلى فن أدبي أضحى في الظل خلال السنوات الأخيرة. وإذا كان من المبكر تقديم تقييم موضوعي ومهني لجائزة حديثة العمر تدخل الآن دورتها الثانية، فإن ثمة ما يدعو إلى التفاؤل خصوصاً أن «جائزة الملتقى» تصدر عن مبادرة أهلية مدنية مستقلة هو «الملتقى الثقافي» الذي أسسه ويُشرف عليه كاتب وأديب ومُشتغل في الشأن الثقافي العام في الكويت هو طالب الرفاعي. وثانياً أن الجائزة تم تبنيها ورعايتها من مؤسسة علمية أكاديمية مشهود لها بالرصانة والاستقلال وهي «الجامعة الأميركية» في الكويت. غير أن هذين المُعطيين، على أهميتهما، لا يكفيان لضمان رسوخ جائزة الملتقى، ليس باعتبارها جائزة تُمنح سنوياً لكتاب قصصي حديث، ولكن أيضاً بوصفها «حالة ثقافية- أدبية» عربية، تجعل من فن القصة مركزاً لاهتمامها، نشراً وترجمة وندوات ولقاءات. الاستمرارية تحتاج أشياء أخرى أيضاً نتمنى توافرها كي تبقى الجائزة حاضرة في المشهد الأدبي العام». سلوى بكر: خيار صائب وفي هذا السياق، ترى الكاتبة المصرية سلوى بكر أنّ «الجوائز في شكل عام لها إيجابيات وسلبيات، لكنّ المحصلة النهائية فيها أن الإيجابيات أكثر، لأن الجائزة في عالم عربي لا يقرأ ولا يهتم بالثقافة ولا ينشغل بالأدب يكون لها عامل تحفيزي للكاتب والقارئ. ولا ننسى المكسب المالي الذي يعد تحفيزياً بالنسبة إلى الكاتب الذي لا يحقق عادة مكاسب مادية مما يكتبه إلا في ما ندر. هذا الأمر ينطبق على جائزة الملتقى، بخاصة أن الضوء انحسر عن القصة القصيرة خلال السنوات الأخيرة، على رغم أنها فن مهم يلتقط كل ما هو سريع ومتغير في المجتمعات. وهي تمثل الثقافة العربية التي تصل من طريق الصحف والدوريات، إلى قارئ قد لا يستطيع الوصول إلى الكتاب الأدبي بسهولة. لذا أعتقد أن تخصيص جائزة للقصة القصيرة هو أمر جيد ومفيد. لكنّ المشكلة التي قد تواجه أي جائزة تبقى كامنة في اختيار لجان التحكيم، التي تفتقد في أحيانٍ كثيرة إلى الموضوعية والمنطق في تكوينها وما تتخذه من قرارات». ويقول الكاتب العراقي لؤي حمزة عباس: «تمكن ملاحظة أثر جائزة الملتقى للقصة القصيرة في مشهد الكتابة الإبداعية العربية بعامةٍ، والكتابة القصصية على نحو خاص. وإذا ما نظرنا إلى الحضور القصصي المتحقق خلال السنتين الماضيتين، وهما عمر الجائزة، علينا أن نقر بفاعلية الحراك القصصي، فالمشهد الثقافي العربي ظل في حاجة إلى جاذب أو موجه يعيد أهمية الكتابة وينظم حضور الأنواع الإبداعية بعد تراجع منابر المؤسسات الوطنية وخفوت دور الصحف والمجلات. من هنا، اعتبر أن جائزة الملتقى أثبتت أهميتها وضرورتها في بوادر التحقق الكمي وجلاء التشكل النوعي للقصة القصيرة. وثمة عامل إيجابي مضاف يتمثل في ضرورة تركيز كتابة الأجيال الجديدة في مجال الكتابة القصصية. من هنا أقول إن جائزة الملتقى لها أكثر من مسوغ، بما تمثله من إضافة نوعية داعمة لراهن الإبداع العربي». فهد العتيق: إضافة مهمة أما الكاتب السعودي فهد العتيق فيقول: «ما زالت القصة القصيرة هي جوهرة الأدب الحديث، وإذا طالعنا الإصدارات العربية في هذا المجال نجد أنها لا تزال تتمتع بعافية فنية وقيمة موضوعية عالية، من خلال العديد من النماذج الموهوبة التي قرأنا لها خلال السنوات الأخيرة. لهذا أقدر دور جائزة الملتقى للقصة العربية التي تمولها الجامعة الأميركية في الكويت في تأكيد قيمة هذا النص الأدبي الرفيع. وأرى أن هذه الجائزة ستضيف قيمة مهمة للحياة الأدبية وسوف تساعد الجيل الجديد في التعرف إلى هذا الجنس الأدبي عبر نماذج قصصية تدخل القوائم الطويلة والقصيرة للجائزة. وهذا سيكون بالتالي عاملاً إيجابياً ومشجعاً يساعد في تطوير طرائق كتابة هذا النص السردي، ويساعد أيضاً في انطلاقة جديدة للقصة القصيرة في العالم العربي». ويرى الكاتب الأردني مفلح العدوان أن «القصة القصيرة بدأت تعود بقوة في الآونة الأخيرة، وثمة توجه حقيقي نحو كتابتها، إذ يمكننا أن نبدأ بتوثيق مرحلة جديدة من نهوض القصة القصيرة، بخاصة وأنها تتواءم مع وسائط الاتصال الحديثة، وأيضاً تعبر عن الالتماعة والسرعة اللتين تحكمان طبيعة هذا العصر. وبما أنني أنتمي إلى بيت القصة، أعتبر هذا الفن من أهم الفنون وأكثرها حساسية، وأعتقد أن جائزة الملتقى للقصة القصيرة حققت حضوراً لافتا منذ دورتها الأولى، وأعادت ألق هذا الفن. إضافة إلى أنّها ألقت الضوء على نتاجات القصة القصيرة، في وقت اتجهت فيه العيون إلى فن الرواية. وأعتقد أن هذا الزخم سيزداد في شكل نوعي وكمي في الأعوام المقبلة، مع ضرورة مساهمة المؤسسة النقدية في هذا الاتجاه إضافة إلى الإعلام والجامعات. وأختم بأنني أرى أن ثمة نهضة بدأت تتحقق في فن القصة القصيرة بالتزامن مع جائزة الملتقى، وهذا يؤكد أنّ القصة فنّ حيّ متجدد يعبّر عن الذات التي تريد أن ترسم الكون وما حولها وما داخلها في مربع حميمي هو القصة القصيرة». الكاتب المغربي سعيد بوكرامي يقول: «الجوائز الأدبية في العالم العربي عموماً شيء إيجابيّ، لأنها مؤشر جيد إلى دينامية ثقافية ما. لكنّ الجائزة لم تكن يوماً معياراً لتحديد جودة عمل ما أو رداءته، لا سيما أن تقييم اللجان للأعمال المتبارية لا تحكمها ضوابط موضوعية وعلمية. ومن هذا المنطلق أجد أن جائزة الملتقى للقصة القصيرة تندرج ضمن سياق ثقافي مماثل. لكنّها، وعلى رغم ما قيل عنها، تبقى مبادرة إيجابية، لأنها جاءت في وقت أصبحت فيه القصة العربية مهمشة تهميشاً فظيعاً. بل يمكن القول إنها توارت خلف جائزتي الرواية المعروفتين بحيث بدأ إنتاجها ينكمش ودور النشر تعتذر عن نشرها بحجة أن القارئ لا يُقبل إلا على الرواية في المعارض والمكتبات. ومع انطلاق جائزة الملتقى وتحقيقها إشعاعاً أدبياً مميزاً في عام 2016 ووصولها هذا العام إلى دورتها الثانية بترشيحات مهمة بلغت 239 مجموعة قصصية من عشرين دولة. وأنا على يقين أن استمرار جائزة الملتقى على نهجها الداعم القصة سيحقق في السنوات المقبلة ازدهاراً قصصياً عربياً، على مستوى الكتابة الإبداعية وصناعة الكتاب القصصي».