إذا كان منطقياً لأهل مهرجان «كان» في نهاية دورته أن يروا النجاح الأكبر متحققاً هذه المرة في سوق الفيلم الذي أغلق أبوابه قبل يومين، فالواقع يفيد بأن الدورة نفسها، لا سيما مسابقتها الرسمية، لم تحقق مقدار النجاح المتوقّّع، وإن كان كثيرون أبدوا رضى استثنائياً عن الأسماء المشاركة، وهم من الكبار في السينما العالمية اليوم. والغريب في الأمر أن الخيبات تبدو اليوم قليلة، قبل ساعات من إعلان نتائج المسابقة في حفل صاخب ستكون نجمته، من دون أدنى ريب، رئيسة لجنة التحكيم المخرجة جين كامبيون. ومع هذا ثمة ما لا يريح في المسألة كلها. ولعل هذا يرجع إلى أن المفاجآت أتت قليلة، بل أتت نادرة. من هنا، تبرز صعوبة التكهّن بالكيفية التي ستسير فيها تفضيلات لجنة تحكيم متنوعة لم يؤثر عن معظم أعضائها «سينيفيلية» خاصة تدفع إلى الاعتقاد بأن «همّاً» سينمائياً واحداً يجمعهم ويدفعهم في اتجاه جماعية الاختيارات الأكثر منطقية. ليس هذا لكثرة الأفلام التي يمكن تحديدها من الآن وتوزيع التكهنات في ما بينها. فالحقيقة أننا إذا سبرنا التفضيلات المعلنة للنقاد العالميين كما تعبّر عنها صحافة المهرجان، فلن نجد سوى حوالى نصف دزينة من أفلام يمكن أن تخرج فائزة مساء اليوم. ومن بينها، إن نحن شئنا اللعبة المعتادة وإن بشيء من الحذر، ناجم عن غموض لجنة التحكيم ورئيستها، هناك خمسة أفلام يمكن «المراهنة» عليها: «السبات الشتوي» للتركي المبدع نوري بلجي جيلان، «يومان وليلة» للبلجيكيين جان بيار ولوك داردان، «مستر تورنر» للإنكليزي مايك لي، «وداعاً للغة» لجان – لوك غودار وربما أيضاً «صالة جيمي» لكين لوتش. فهل يمكننا القول إن الجوائز ستنحصر هنا، مثلاً في تعويض مايك لي على إجحاف كان في حقه قبل أعوام، أو في تتويج لغودار بعد خمسين عاماً من مشاركات «كانيّة» صاخبة، أو في تحقيق معجزة ما مع منح سعفة ثالثة للأخوين البلجيكيين، أو على الأقل جائزة أفضل ممثلة لبطلتهما ماريون كوتيار، تتويجاً للمشاركة ال «كانية» الثالثة لها على التوالي في أدوار لافتة وصعبة أبدعت فيها، أو في تتويج التركي جيلان عن تحفته الجديدة هو الذي كان «وصيفاً» أول أو ثانياً ثلاث مرات متتالية عصيت عليه خلالها السعفة، مع احتمال أن تذهب جائزة أفضل ممثل إلى بطل فيلمه؟ بصراحة، تلك هي الاحتمالات الأكثر منطقية كما تبدو في الصورة اليوم قبل ساعات من إعلان النتائج وذلك في استباق يوم بأكمله على ما كان يحدث في السنوات السابقة بسبب الانتخابات الأوروبية. مع هذا، قد لا يخلو الأمر من مفاجآت ربما يكون «تمبوكتو» للموريتاني سيساكو واحداً منها – وغالباً لأسباب تخرج عن السينمائية الخالصة، حيث إن الفيلم يغوص بالتواتر ومن خلال حكاية حدثت في مالي، في راهنية تبدأ مما يحدث في سورية لتصل إلى جريمة «بوكو حرام» ضد مراهقات نيجيريا - ومهما يكن من أمر أخيراً، فستمضي سهرة الليلة كما مضت سهرات من قبلها. ستعلن النتائج، بمفاجآت أو من دونها. سيفرح البعض ويصفق. وسيغضب البعض الآخر ويشتم، فيما الواحد منا، نحن النقاد، ينصرف إلى ما كتبه من توقّعات محاولاً في ضوء ما أُعلن فعلاً، أن يكتشف أين أخطأ وأين أصاب. فإن كانت تكهناته أصابت، من دون أن يعني هذا أنها تفضيلاته بالضرورة، فسيعتبر اللجنة ممتازة. أما إذا كانت الهوة بين ما توقّع وما أُعلن، كبيرة فسيتحدث عن مؤامرات وتدخلات وما إلى ذلك. وهذه أيضاً من قواعد اللعبة على أية حال!